تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٠٦
الشح مركوز في النفس تغلب القلب من هذه الجهات لا من جهة العلو التي هي جهة استيلاء الروح وممد الحقائق والأنوار ولا من جهة السفلى التيهي جهة الطبيعة الجسمانية لعدم تمكن الطبيعة من ذلك فبقيت سائر الجهات فيؤذى بذلك من الجهات الأربع ويعذب، وهذا كما تراه يعاب في الدنيا ويخزي من هذه الجهات فيواجه بالذم جهرا فيفضح أو يسار في جنبه أو يغتاب من وراء ظهره قاله بعض العارفين. ولهم في قوله سبحانه: * (إن عدة الشهور عند الله إثنا عشر شهرا) * (التوبة: 36) تأويل بعيد يطلب من محله، وقوله سبحانه: * (ألا تنصروه) * الخ عتاب للمتثاقلين أو لأهل الأرض كافة وارشاد إلى أنه عليه الصلاة والسلام مستغن بنصرة الله عن نصرة المخلوقين. وفيه إشارة إلى رتبة الصديق رضي الله تعالى عنه فقد انفرد برسول الله صلى الله عليه وسلم انفراده عليه الصلاة والسلام بربه سبحانه في مقام قاب قوسين، ومعنى * (إن الله معنا) * (التوبة: 40) على ما قال ابن عطاء إنه معنا في الازل حيث وصل بيننا بوصلة الصحبة وأثر هذه المعية قد ظهر في الدنيا والآخرة فلم يفارقه حيا ولا ميتا، وقيل: معنا بظهور عنايته ومشاهدته وقربه الذي لا يكيف، ولله تعالى در من قال: يا طالب الله في العرش الرفيع به * لا تطلب العرش أن المجد للغار ولا يخفى ما بين قول النبي صلى الله عليه وسلم: * (إن الله معنا) * وقول موسى عليه السلام: * (إن معي ربي) * من الفرق الظاهر لأرباب الأذواق حيثقدم نبينا صلى الله عليه وسلم اسمه تعالى عليه وعكس موسى عليه السلام، وأتى صلى الله عليه وسلم بالاسم الجامع وأتى الكليم باسم الرب، وأتى عليه الصلاة والسلام - بنا - في * (معنا) * وأتى موسى عليه السلام بياء المتكلم لأن نبينا صلى الله عليه وسلم على خلق لم يكن عليه موسى عليه الصلاة والسلام. والضمير في قوله تعالى: * (فأنزل الله سكينته عليه) * (التوبة: 40) إن كان للصاحب فالأمر ظاهر وإن كان للنبي عليه الصلاة والسلام فيقال: في ذلك إشارة إلى مقام الفناء في الشيخ إذ ذاك. وقال بعض الأكابر: أنزلت السكينة عليه عليه الصلاة والسلام لتسكين قلب الصديق رضي الله تعالى عنه وإذهاب الحزن عنه بطريق الانعكاس والإشراق ولو أنزلت على الصديق بغير واسطة لذاب لها ولعظمها فكأنه قيل: أنزل سكينة صاحبه عليه. * (انفروا خفافا وثقالا) * أي انفروا إلى طاعة مولاكم خفافا بالأرواح ثقالا بالقلوب، أو خفافا بالقلوب وثقالا بالأجسام بأن يطيعوه بالأعمال القلبية والقالبية، أو خفافا بأنوار المودة وثقالا بأمانات المعرفة، أو خفافا بالبسط وثقالا بالقبض، وقيل: خفافا بالطاعة وثقالا عن المخالفة. وقيل غير ذلك * (وجاهدوا بأموالكم) * بأن تنفقوها للفقراء * (وأنفسكم) * بأن تجودوا بها لله تعالى * (ذلكم خير لكم) * في الدارين * (إن كنتم تعلمون) * (التوبة: 41) ذلك والله تعالى الموفق للرشاد.
* (لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ول‍اكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لك‍اذبون) *.
* (لو كان) * أي ما دعوا إليه كما يدل عليه ما تقدم * (عرضا قريبا) * أي غنما سهل المأخذ قريب المنال، وأصل العرض ما عرض لك من منافع الدنيا ومتاعها. وفي الحديث " الدنيا عرض حاضر يأكل منه البر والفاجر " * (وسفرا قاصدا) * أي متوسطا بين القرب والبعد وهو من باب تامر ولابن * (لاتبعوك) * أي لوافقوك في النفير طمعا في الفوز بالغنيمة، وهذا شروع في تعيدي ما صدر عنهم من الهنات قولا وفعلا وبيان قصور همهم وما هم عليه من غير ذلك، وقيل: هو تقرير لكونهم متثاقلين مائلين إلى الإقامة بأرضهم، وتعليق الاتباع بكلا الأمرين يدل على عدم تحققه عند توسط السفر فقط
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»