تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ١٠ - الصفحة ١٠٧
* (ول‍اكن بعدت عليهم الشقة) * أي المسافة التي تقطع بمشقة. وقرأ عيسى بن عمر * (بعدت) * بكسر العين * (والشقة) * بكسر الشين، وبعد يبعد كعلم يعلم لغة واختص ببعد الموت غالبا، وجاء لا تبعد للتفجع والتحسر في المصائب كما قال: لا يبعد الله إخوانا لنا ذهبوا * أفناهم حدثان الدهر والأبد * (وسيحلفون) * أي المتهلفون عن الغزو * (بالله) * متعلق بسيحلفون، وجوز أن يكون من جمة كلامهم ولا بد من تقدير القول في الوجهين أي سيحلفون عند رجوعك من غزوة تبوك بالله قائلين * (لو استطعنا) * أو سيحلفون قائلين بالله لو استطعنا الخ، وقيل: لا حاجة إلى تقدير القول لأن الحلف من جنس القول وهو أحد المذهبين المشهورين، والمعنى لو كان لنا استطاعة من جهة العدة أو من جهة الصحة أو من جهتيهما معا حسبما عن لهم من التعلل والكذب * (لخرجنا معكم) * لما دعوتمونا إليه وهذا جواب القسم وجواب لو محذوف على قاعدة اجتماع القسم والشرط إذا تقدم القسم وهو اختيار ابن عصفور، واختار ابن مالك أنه جواب * (لو) * ولو وجوابها جواب القسم، وقيل: إنه ساد مسد جوابي القسم والشرط جميعا، والقسم على الاحتمال الأول ظاهر وأما على الثاني فلأن * (لو استطعنا) * في قوة بالله لو استطعنا لأنه بيان لسيحلفون بالله وتصديق له كما قيل.
واعترض القول الأخير بأنه لم يذهب إليه أحد من أهل العربية. وأجيب بأن مراد القائل أنه لما حذف جواب * (لو) * دل عليه جواب القسم جعل كأنه ساد مسد الجوابين. وقرأ الحسن. والأعمش * (لو استطعنا) * بضم الواو تشبيها لها بواو الجمع كما في قوله تعالى: * (فتمنوا الموت) * و * (اشتروا الضلالة) * وقرىء بالفتح أيضا * (يهلكون أنفسهم) * بايقاعها في العذاب، قيل: وهو بدل من * (سيحلفون) * واعترض بأن الهلاك ليس مرادفا للحلف ولا هو نوع منه، ولا يجوز أن يبدل فعل من فعل إلا أن يكون مرادفا له أو نوعا منه. وأجيب بأن الحلف الكاذب إهلاك للنفس ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع " وحاصله أنهما ترادفان ادعاء فيكون بدل كل من كل، وقيل إنه بدل اشتمال إذ الحلف سبب للاهلاك والمسبب يبدل من السبب لاشتماله عليه، وجوز أن يكون حالا من فاعله أن سيحلفون مهلكين أنفسهم، وأن يكون حالا من فاعل * (لخرجنا) * جيء به على طريقة الأخبار عنهم كأنه قيل: نهلك أنفسنا أي لخرجنا مهلكين أنفسنا كما في قولك: حلف ليفعلن مكان لأفعلن ولكن فيه بعد. وجوز أبو البقاء الاستئناف * (والله يعلم إنهم لكاذبون) * في مضمون الشرطية وفيما ادعوا ضمنا من انتفاء تحقق المقدم حيث كانوا مستطيعين للخروج ولم يخرجوا.
واستدل بالآية على أن القدرة قبل الفعل.
* (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الك‍اذبين) *.
* (عفا الله عنك لم أذنت لهم) * أي لأي سبب أذنت لهؤلاء الحالفين المتخلفين في التخلف حين استأذنوا فيه معتذرين بعدم الاستطاعة، وهذا عتاب لطيف من اللطيف الخبير سبحانه لحبيبه صلى الله عليه وسلم على ترك الأولى وهو التوقف عن الاذن إلى انجلاء الأمر وانكشاف الحال المشار إليه بقوله سبحانه: * (حتى يتبين لك الذين صدقوا) * أي فيما أخبروا به عند الاعتذار من عدم الاستطاعة * (وتعلم الكاذبين) * أي في ذلك. فحق سواء كانت بمعنى اللام أو إلى متعلقة بما يدل عليه * (لم أذنت لهم) * كؤنه قيل: لم سارعت إلى الاذن لهم ولم تتوقف حتى ينجلي الأمر كما هو قضية الحزم اللائق بشأنك الرفيع يا سيد أولي العزم.
ولا يجوز أن تتعلق بالمذكور نفسه مطلقا لاستلزامه أن يكون أذنه عليه الصلاة والسلام لهم معللا أو مغيا بالتبين
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»