الحياة وعنصره بضد ذلك والمخلوق من الأشرف أشرف لأن شرف الأصل يوجب شرف الفرع فأنا كذلك والأشرف لا يليق به الانقياد لمن هو دونه، وقد أخطأ اللعين فإن كون النار أشرف من التراب ممنوع فإن كل عنصر من العناصر الأربع يختص بفوائد ليست لغيره وكل منها ضروري في هذه النشأة ولكل فضيلة في مقامه وحاله فترجيح بعضها على بعض تطويل بلا طائل، على أن من نظر إلى أن الأرض أكثر منافع للخلق لأنها مستقرهم وفيها معايشهم وأنها متصفة بالرزانة التي هي من مقتضيات الحلم والوقار وإلى أن النار دونها في المنافع وأنها متصفة بالخفة التي هي من مقتضيات الطيش والاستكبار والترفع علم ما في كلام اللعين، وأيضا شرف الأصل لا يوجب شرف الفرع. إنما الورد من الشوك ولا * ينبت النرجس إلا من بصل ويكفي في ذلك أنه قد يخرج الكافر من المؤمن، وأيضا قد خص الشرف بما هو من جهة المادة والعنصر مع أن الشيء كما يشرف بمادته وعنصره يشرف بفاعله وغايته وصورته، وهذا الشرف في آدم عليه السلام دونه فإن الله تعالى خلقه بيديه ونفخ فيه من روحه وجعله خليفة في الأرض كما قص سبحانه لما أودعه فيه، وأيضا أي قبح في خدمة الفاضل للمفضول تواضعا وإسقاطا لحظ النفس على أن الخدمة في الحقيقة إنما كانت لله تعالى، وإلى هذا أشار ظافر الإسكندري بقوله: أنت المراد بنظم كل قصيدة * بنيت على الأفهام في تبجيله كسجود أملاك السماء لآدم * وسجودهم لله في تأويله ثم الظاهر أن هذا الجواب من اللعين كان مع تسليم أنه مأمور بالسجود وحينئذ فخطؤه أظهر من نار على علم إذ يعود ذلك إلى الاعتراض على المالك الحكيم.
وقال بعضهم: إنه لم يسلم أنه كان مأمورا بل أخرج نفسه من العموم بالقياس. واستدل أهل هذا القول بهذا التوبيخ على أنه لا يجوز تخصيص النص بالقياس. وأجيب بأن هذا ليس من التخصيص بل هو إبطال للنص ورفع له بالكلية وفيه تأمل. وأخرج أبو نعيم في " الحلية " والديلمي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده رضي الله تعالى عنهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس قال الله تعالى له: اسجد لآدم فقال: أنا خير منه " الخ. قال جعفر: فمن قاس أمر الدين برأيه قرنه الله تعالى يوم القيامة بإبليس لأنه أتبعه بالقياس. واستدل بهذا ونحوه من منع القياس مطلقا. وأجيب عن ذلك بأن المذموم هو القياس والرأي في مقابلة النص أو الذي يعدم فيه شرط من الشروط المعتبرة وتحقيق ذلك في محله.
وفي الآية دليل على الكون والفساد لدلالتها على خلق آدم عليه السلام وإبليس عليه اللعنة وإيجادهما، وعلى استحالة الطين والنار عما كانا عليه من الطينية والنارية لما ترتب منهما ما تركب، وعلى أن إبليس ونحوه أجسام حادثة لا أرواح قديمة، قيل: ولعل إضافة خلق آدم عليه السلام إلى الطين وخلقه إلى النار باعتبار الجزء الغالب، وإلا فقد تقرر أن الأجسام من العناصر الأربعة وبعض الناس من وراء المنع.
* (قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) *.
* (قال) * استئناف كما سلف، والفاء في قوله تعالى: * (فاهبط منها) * لترتيب الأمر على ما ظهر منه من