تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٠٠
لما يلزم ذلك من إنكار البعث والقيامة، ومن ثم قال الحسن لعمرو بن عبيد لما قال له: إن آدم وحواء هل صدقا قول الشيطان: معاذ الله تعالى لو صدقا لكانا من الكافرين، وأجيب بأن المراد من الخلود طول المكث والتصديق به ليس بكفر ولو سلم أن المراد الدوام الأبدي فلا نسلم أن اعتقاد ذلك إذ ذاك كفر لأن العلم بالموت والبعث بعده يتوقف على الدليل السمعي ولعله لم يصل إليهما وقتئذ. وادعى بعضهم أن المراد بالخلود العارض بعد الموت بدخول الجنة وحينئذ لا إشكال إلا أنه خلاف الظاهر.
وعن السيد المرتضى في معنى الآية أنه قال: إن اللعين أوهمهما أن المنهي عن تناول الشجرة الملائكة والخالدون خاصة دونهما كما يقول أحدنا لغيره: ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا يريد أن المنهي هو فلان دونك، وهو كما ترى.
* (وقاسمهمآ إني لكما لمن الن‍اصحين) *.
أقسم لهما، وإنما عبر بصيغة المفاعلة للمبالغة لأن من يباري أحدا في فعل يجد فيه فاستعمل في لازمه، وقيل: المفاعلة على بابها، والقسم وقع من الجانبين لكنه اختلف متعلقه فهو أقسم لهما على النصح وهما أقسما له على القبول. وتعقب بأن هذا إنما يتم لو جرد المقاسمة عن ذكر المقسم عليه وهو النصيحة، أما حيث ذكر فلا يتم إلا أن يقال: سمى قبول النصيحة نصيحة للمشاكلة والمقابلة كما قيل في قوله تعالى: * (وواعدنا موسى) * (الأعراف: 142) أنه سمى التزام موسى عليه السلام الوفاء والحضور للميعاد ميعادا فأسند التعبير بالمفاعلة، وقيل: قالا له أتقسم بالله تعالى إنك لمن الناصحين؟ وأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة. وعلى هذا فيكون - كما قال ابن المنير - " في الكلام لف لأن آدم وحواء عليهما السلام لا يقسمان (له) بلفظ التكلم بل بلفظ الخطاب "، وقيل: إنه إلى التغليب أقرب، وقيل: إنه لا حاجة إليه بأن يكون المعنى حلفا عليه بأن يقول لهما: إني لكما لمن الناصحين.
* (فدل‍اهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهمآ ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكمآ إن الشيط‍ان لكما عدو مبين) *.
* (فدلاهما) * أي حطهما عن درجتهما وأنزلهما عن رتبة الطاعة إلى رتبة المعصية فهو من دلى الدلو في البئر كما قاله أبو عبيدة وغيره. وعن الأزهري أن معناه أطمعهما. وأصله من تدلية العطشان شيئا في البئر فلا يجد ما يشفي غليله. وقيل: هو من الدالة وهي الجرأة في فجرأهما كما قال: أظن الحلم دل على قومي * وقد يستجهل الرجل الحليم فأبدل أحد حرفي التضعيف ياء * (بغرور) * أي بما غرهما به من القسم أو متلبسين به، فالباء للمصاحبة أو الملابسة. والجار والمجرور حال من الفاعل أو المفعول. وجعل بعضهم الغرور مجازا عن القسم لأنه سبب له ولا حاجة إليه، وسبب غرورهما على ما قاله غير واحد أنهما طنا أن أحدا لا يقسم بالله تعالى كاذبا ورووا في ذلك خبرا. وظاهر هذا أنهما صدقا ما قاله فأقدما على ما نهيا عنه. وذهب كثير من الحققين أن التصديق لم يوجد منهما لا قطعا ولا ظنا، وإنما أقدما على المنهي عنه لغلبة الشهوة كما نجد من أنفسنا أن نقدم على الفعل إذا زين لنا الغير ما نشتهيه وإن لم نعتقد أن الأمر كما قال. ولعل كلام اللعين على هذا من قبيل المقدمات الشعرية أثار الشهوة حتى غلبت ونسي معها النهي فوقع الإقدام من غير روية، وقال القطب: يمكن أن يقال إن اللعين لما وسوس لهما بقوله: * (ما نهاكما) * (الأعراف: 20) الخ فلم يقبلا منه عدل إلى اليمين على ما قال سبحانه: * (وقاسمهما) * (الأعراف: 21) فلم يصدقاه أيضا فعدل بعد ذلك إلى شيء آخر وكانه أشار إليه سبحانه بقوله تعالى: * (فدلاهما بغرور) * وهو أنه شغلهما باستيفاء اللذات حتى صارا مستغرقين بها فنسي النهي كما يشير إليه قوله
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»