تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ٩٢
قريني الذي كان فالحمد لله الذي أخزاه ولا يزال إبليس ساجدا باكيا حتى تخرج الدابة فتقتله وهو ساجد انتهى.
ومنه يعلم أن المراد باليوم المعلوم ما صرح به اللعين وهو قبل يوم النفخة الأولى بكثير، وهذا قول لم نر أحدا من المفسرين ذكره وهو الذي ارتضاه هذا الفاضل وقال: إن الخبر في حكم المرفوع لأنه لا يقال من قبل الرأي وليس ابن مسعود ككعب الأحبار ممن يتلقى من كتب أهل الكتاب. وأنت تعلم أنه إن صحت نسبة هذا الخبر إلى ابن مسعود ينبغي أن لا يعدل إلى القول بما يخالفه ولكن في صحة نسبته إليه رضي الله تعالى عنه عندي تردد. وقيل: المراد به وقت يعلم الله تعالى انتهاء أجله فيه وقد أخفي عنا وكذا عن اللعين، وأوجب على هذا أن يكون قبل النفخة الثانية. واستدل له بعضهم بأن اللعين كان مكلفا والمكلف لا يجوز أن يعلم أجله لأنه يقدم على المعصية بقلب فارغ حتى إذا قرب أجله تاب فتقبل توبته وهذا كالإغراء على المعاصي فيكون قبيحا. وأجيب بأن من علم الله تعالى من حاله أنه يموت على الطهارة والعصمة كالأنبياء عليهم السلام أو على الكفر والمعاصي كإبليس وأشياعه فإن إعلامه بوقت أجله لا يكون إغراء على المعصية لأنه لا يتفاوت حاله بسبب ذلك التعريف والإعلام.
وظاهر النظم الكريم عند غير واحد أن هذه إجابة لدعائه كلا أو بعضا، وفي ذلك دليل لمن قال: إن دعاء الكافر قد يستجاب وهو الذي ذهب إليه الدبوسي وغيره من الفقهاء خلافا لما نقله في " البزازية " عن البعض من أنه لا يجوز أن يقال: إن دعاء الكافر مستجاب لأنه لا يعرف الله تعالى ليدعوه، والفتوى على الأول للظاهر ولقوله صلى الله عليه وسلم: " دعوة المظلوم مستجابة وإن كان كافرا ". وحمل الكفر على كفران النعمة لا كفران الدين خلاف الظاهر، ولا يلزم من الاستجابة المحبة والإكرام فإنها قد تكون للاستدراج. وقال بعض المحققين: الجملة أخبار عن كونه من المنظرين في قضاء الله عالى من غير ترتب على دعائه، وادعى أن ورودها اسمية مع التعرض لشمول ما سأله اللعين الآخرين على وجه يشعر بأن السائل تبع لهم في ذلك صريح في أن ذلك إخبار بأن الإنظار المذكور لهم أزلا لا إنشاء لا لإنظار خاص به إجابة لدعائه، ويعلم من ذلك أيضا أن استنظاره كان طلبا لتأخير الموت إذ به يتحقق كونه من جملتهم لا لتأخير العقوبة كما قيل ولا يخلو عن حسن. والحكمة في إنظاره ذلك الزمن الطويل مع ما هو عليه عليه اللعنة من الإفساد مما ينبغي أن يفوض علمها إلى خالق العباد.
وقد ذكر الشهرستاني " عن شارح الأناجيل الأربعة صورة مناظرة جرت بين الملائكة وبين إبليس بعد هذه الحادثة وقد ذكرت في التوراة، وهي أن اللعين قال للملائكة: إني أسلم أن لي إلها هو خالقي وموجدي وهو خالق الخلق لكن لي على حكمه أسئلة، الأول: ما الحكمة في الخلق؟ لا سيما وقد كان عالما أن الكافر لا يستوجب عند خلقه إلا النار. الثاني: ما الفائدة في التكليف مع أنه لا يعود إليه منه نفع ولا ضرر وكل ما يعود إلى المكلفين فهو قادر على تحصيله لهم من غير واسطة التكليف؟
الثالث: هب أنه كلفني بمعرفته وطاعته فلماذا كلفني بالسجود لآدم؟ الرابع: لما عصيته في ترك السجود فلم لعنني وأجب عقابي مع أنه لا فائدة له ولا لغيره فيه ولي فيه أعظم الضرر؟ الخامس: أنه لما فعل ذلك لم سلطني على أولاده ومكنني من إغوائهم وإضلالهم؟ السادس: لما استمهلته المدة الطويلة في ذلك فلم أمهلني، ومعلوم أن العالم لو كان خاليا من الشر لكان ذلك خيرا؛ قال شارح الأناجيل فأوحى الله تعالى إليه من سرادق العظمة والكبرياء يا إبليس أنت ما عرفتني ولو عرفتني لعلمت أنه لا اعتراض علي في شيء من أفعالي فإني أنا الله لا إله إلا أنا لا أسئل عما أفعل " انتهى.
(٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 ... » »»