تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١١
ولا كتاب بعدها يبدلها وينسخ أحكامها. وعيسى عليه السلام يعمل بعد النزول بها لا ينسخ شيئا كما حقق في محله. وقيل: المراد إن أحكام الله تعالى لا تقبل التبدل والزوال لأنها أزلية والأزلي لا يزول. وزعم الإمام " أن الآية على هذا أحد الأصول القوية في إثبات الجبر لأنه تعالى لما حكم على زيد بالسعادة وعلى عمرو بالشقاوة ثم قال: * (لا مبدل لكلماته) * يلزم امتناع أن ينقلب السعيد شقيا والشقي سعيدا فالسعيد من سعد في بطن أمه والشقي من شقي في بطن أمه " وأنا أقول لا يخفى أن الشقي في العلم لا يكون سعيدا والسعيد فيه لا يكون شقيا أصلا لأن العلم لا يتعلق إلا بما المعلوم عليه في نفسه وحكمه سبحانه تابع لذلك العلم. وكذا إيجاده الأشياء على طبق ذلك العلم. ولا يتصور هناك جبر بوجه من الوجوه لأنه عز شأنه لم يفض على القوابل إلا ما طلبته منه جل وعلا بلسان استعدادها كما يشير إليه قوله سبحانه: * (أعطى كل شيء خلقه) * (طه: 50) نعم يتصور الجبر لو طلبت القوابل شيئا وأفاض عليها عز شأنه ضده والله سبحانه أجل وأعلى من ذلك.
* (وهو السميع) * لكل ما يتعلق به السمع * (العليم) * بكل ما يمكن أن يعلم فيدخل في ذلك أقوال المتحاكمين وأحوالهم الظاهرة والباطنة دخولا أوليا.
* (وإن تطع أكثر من فى الارض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون) *.
" ثم إنه تعالى - على ما ذكر الإمام - لما أجاب عن سبهات الكفار وبين بالدليل صحة النبوة أرشد إلى أنه بعد زوال الشبهة وظهور الحجة لا ينبغي أن يلتفت العاقل إلى كلمات الجهال فقال سبحانه ":
* (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله) * وقال شيخ الإسلام: إنه لما تحقق اختصاصه تعالى بالحكمية لاستقلاله بما يوجب ذلك من إنزال الكتاب (الكامل) الفاصل بين الحق والباطل وتمام صدق كلامه وكمال عدله في أحكامه وامتناع وجود من يبدل شيئا منها واستبداده سبحانه بالإحاطة التامة بجميع الموسوعات والمعلومات عقب ذلك ببيان أن الكفرة متصفون بنقائض تلك الكمالات من النقائص التي هي الضلال والإضلال واتباع الظنون الفاسدة الناشىء من الجهل والكذب على الله تعالى إبانة لكمال مباينة حالهم لما يرومونه وتحذيرا عن الركون إليهم والعمل بآرائهم فقال سبحانه ما قال. ويحتمل أن يكون هذا من باب الإرشاد إلى اتباع القرآن والتمسك به بعد بيان كماله على أكمل وجه خطاب له صلى الله عليه وسلم ولأمته.
وقيل: خوطب عليه الصلاة والسلام وأريد غيره. والمراد بمن في الأرض الناس وبأكثرهم الكفار وقيل: ما يعمهم وغيرهم من الجهال واتباع الهوى. وقيل: أهل مكة والأرض أرضها وأكثر أهلها كانوا حينئذ كفارا. ومن الناس من زعم أن هذا نهى في المعنى عن متابعة غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إذ هم - والكرام قليل - أقل الناس عددا. وقد قال سبحانه: * (فبهداهم اقتده) * (الأنعام: 90) وهو كما ترى. ومثله احتمال أنه نهى عن متابعة غير الله سبحانه لأنه لو أطيع أكثر من في الأرض لأضلوا فضلا عن إطاعة قليل أو واحد منهم. والمعنى إن تطع أحدا من الكفار بمخالفة ما شرع لك وأودعه كلماته المنزلة من عنده إليك يضلوك عن الحق أو إن تطع الكفار بأن جعلت منهم حكما يضلوك عن الطريق الموصل إليه أو عن الشريعة التي شرعها لعباده.
* (إن يتبعون) * أي ما يتبعون فيما هم عليه من الشرك والضلال * (إلا الظن) * وإن الظن فيما يتعلق بالله تعالى لا يغني من الحق شيئا ولا يكفي هناك إلا العلم وأنى لهم به، وهذا بخلاف سائر الأحكام وأسبابها مثلا فإنه لا يشترط فيها العلم وإلا لفات معظم المصالح الدنيوية والأخروية، " والفرق بينهما - على ما قاله العز بن عبد السلام في
(١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 ... » »»