تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٤٨
فقال لي قول ذي رأي ومقدرة * مجرب عاقل نزه عن الريب * (كذلك) * مثل ذلك التصريف البديع * (نصرف الآيات) * أي نردد الآيات الدالة على القدرة الباهرة ونكررها. وأصل التصريف تبديل حال بحال ومنه تصريف الرياح.
* (لقوم يشكرون) * نعم الله تعالى ومنها تصريف الآيات وشكر ذلك بالتفكر فيها والاعتبار بها، وخص الشاكرين لأنهم المنتفعون بذلك. وقال الطيبي: ذكر * (لقوم يشكرون) * بعد * (لعلكم تذكرون) * (الأعراف: 57) من باب الترقي لأن من تذكر آلاء الله تعالى عرف حق النعمة فشكر، وهذا - كما قال غير واحد - مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك. أخرج ابن المنذر وغيره عن ابن عباس أن قوله سبحانه وتعالى: * (والبلد الطيب) * الخ مثل ضربه الله تعالى للمؤمنين يقول: هو طيب وعمله طيب والذي خبث الخ مثل للكافر يقول: هو خبيث وعمله خبيث. وأخرج ابن جرير عن مجاهد أن هذا مثل ضربه الله تعالى لآدم عليه السلام وذريته كلهم إنما خلقوا من نفس واحدة فمنهم من آمن بالله تعالى وكتابه فطاب ومنهم من كفر بالله تعالى وكتابه فخبث. أخرج أحمد والشيخان والنسائي عن أبي موسى قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا ولم يقبل هدى الله تعالى الذي أرسلت به " وإيثار خصوص التمثيل بالأرض الطيبة والخبيثة استطراد عقيب ذكر المطر وإنزاله بالبلد وموازنة بين الرحمتين كما في " الكشف "، ولقربه من الاعتراض جىء بالواو في قوله سبحانه وتعالى: * (والبلد الطيب) * وفيه إشارة إلى معنى ما ورد في " صحيح مسلم " عن عياض المجاشعي رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبته عن الله عز وجل: " إني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم ". وفي " صحيح البخاري " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه وينصرانه " ووجه الإشارة قد مرت الإشارة إليه.
* (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال ي‍اقوم اعبدوا الله ما لكم من إل‍اه غيره إنىأخاف عليكم عذاب يوم عظيم) *.
ثم إنه سبحانه وتعالى عقب ذلك بما يحققه ويقرره من قصص الأمم الخالية والقرون الماضية وفي ذلك أيضا تسلية لرسوله عليه الصلاة والسلام فقال جل شأنه: * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه) * وهو جواب قسم محذوف أي والله لقد أرسلنا الخ، واطرد استعمال هذه اللام مع قد في الماضي - على ما قال الزمخشري - وقل الاكتفاء بها وحدها نحو قوله: حلفت لها بالله حلفة فاجر * لناموا فما ان من حديث ولا صالي والسر في ذلك أن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة (لتوقع المخاطب حصول المقسم عليه) لأن القسم دل على الاهتمام فناسب ذلك إدخال قد، ونقل عن النحاة أنهم قالوا: إذا كان جواب القسم ماضيا مثبتا متصرفا فإما أن يكون قريبا من الحال فيؤتى بقد وإلا أثبت
(١٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 ... » »»