تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٤٧
استحالة ذلك مما لا تقوم على ساق وقدم إلا أن الأدلة النقلية على كل من الطريقين متجاذبة، وإذا صح القول بالمعاد الجسماني فلا بأس بالقول بأي كان منهما، وكون إخراج الثمرات من كتم العدم قد لا يسلم فإن لها أصلا في الجملة على أن إخراج الموتى عند القائلين بالطريق الأول إعادة وليس إخراج الثمرات كذلك إذ لم يكن لها وجود قبل، نعم كون الأظهر أن التشبيه بين الإخراجين مما لا مرية فيه، وفي " الخازن " اختلفوا في وجه التشبيه فقيل: إن الله تعالى كما يخلق النبات بواسطة إنزال المطر كذلك يحيي الموتى بواسطة إنزال المطر أيضا، فقد روي عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى أمطر عليهم ماء من تحت العرش يدعى ماء الحياة أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع من الماء. وفي رواية أربعين يوما فينبتون في قبورهم نبات الزرع حتى إذا استكملت أجسادهم تنفخ فيهم الروح ثم يلقى عليهم النوم فينامون في قبورهم فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية عاشوا ثم يحشرون من قبورهم ويجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم حين يستيقظ من نومه فعند ذلك يقولون: * (يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا) *؟ فيناديهم المنادي * (هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون) * (يس: 52). وأخرج غير واحد عن مجاهد أنه إذا أراد الله تعالى أن يخرج الموتى أمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض ثم يرسل سبحانه الأرواح فتعود كل روح إلى جسدها، فكذلك يحيي الله تعالى الموتى بالمطر كإحيائه الأرض. وقيل: إنما وقع التشبيه بأصل الإحياء من غير اعتبار كيفية فيجب الإيمان به ولا يلزمنا البحث عن الكيفية ويفعل الله سبحانه ما يشاء * (لعلكم تذكرون) * فتعلمون أن من قدر على ذلك فهو قادر على هذا من غير شبهة. والأصل تتذكرون فطرحت إحدى التاءين، والخطاب قيل: للنظار مطلقا، وقيل: لمنكري البعث.
* (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذى خبث لا يخرج إلا نكدا كذالك نصرف الآي‍ات لقوم يشكرون) *.
* (والبلد الطيب) * أي الأرض الكريمة التربة التي لا سبخة ولا حرة، واستعمال البلد بمعنى القرية عرف طار، ومن قبيل ذلك إطلاقه على مكة المكرمة * (يخرج نباته بإذن ربه) * بمشيئته وتيسيره، وهو في موضع الحال، والمراد بذلك أن يكون حسنا وافيا غزير النفع لكونه واقعا في مقابلة قوله: * (والذي خبث) * من البلاد كالسبخة والحرة * (لا يخرج إلا نكدا) * أي قليلا لا خير فيه، ومن ذلك قوله: ل ا تنجز الوعد إن وعدت وإن * أعطيت أعطيت تافها نكدا ونصبه على الحال أو على أنه صفة مصدر محذوف، وأصل الكلام لا يخرج نباته فحذف المضاف إليه وأقيم المضاف مقامه فصار مرفوعا مستترا، وجوز أن يكون الأصل ونبات الذي خبث، والتعبير أولا بالطيب وثانيا بالذي خبث دون الخبيث للإيذان بأن أصل الأرض أن تكون طيبة منبتة وخلافه طار عارض. وقرىء * (يخرج نباته) * ببناء * (يخرج) * لما لم يسم فاعله ورفع * (نبات) * على النيابة عن الفاعل، و * (يخرج نباته) * ببناء * (يخرج) * للفاعل من باب الإخراج، ونصب * (نباته) * على المفعولية، والفاعل ضمير البلد، وقيل ضمير الله تعالى أو الماء، وكذا قرىء في * (يخرج) * المنفي، ونصب * (نكدا) * حينئذ على المفعولية. وقرأ أبو جعفر * (نكدا) * بفتحتين على زنة المصدر، وهو نصب على الحال أو على المصدرية أي ذا نكد أو خروجا نكدا. وقرأ * (نكدا) * بالإسكان للتخفيف كنزه في قوله:
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»