تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٤٢
بعيد فاسد وإنما يجوز هذا في ضرورة الشعر. وقال الروذراوري: إن اكتساب التأنيث في المؤنث قد صح بكلام من يوثق به، وأما العكس فيحتاج إلى الشواهد ومن ادعى الجواز فعليه البيان. الخامس: أن فعيلا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث كرجل جريح وامرأة جريح. وتعقب بأنه خطأ فاحش لأن فعيلا هنا بمعنى فاعل. واعترض أيضا بأن هذا لا ينقاس خصوصا من غير الثاني. السادس: أن فعيلا بمعنى فاعل قد يشبه بفعيل بمعنى مفعول فيمنع من التاء في المؤنث كما قد يشبهون فعيلا بمعنى مفعول بفعيل بمعنى فاعل فيلحقونه التاء. فالأول كقوله تعالى: * (من يحي العظام وهي رميم) * (يس: 78) ومنه الآية الكريمة. والثاني كقولهم: خصلة ذميمة وصفة حميدة حملا على قولهم: قبيحة وجميلة ولم يتعقب هذا بشيء. وتعقبه الروذراوري بأنه مجرد دعوى لا دليل عليه وإن قاله النحويون. ويرد عليه أن أحد الفعلين مشتق من لازم والآخر من متعد فلو أجري على أحدهما حكم الآخر لبطل الفرق بين المتعدي واللازم إن كان على وجه العموم وإن كان على وجه الخصوص فأين الدليل عليه وفيه نظر. السابع: أن العرب قد تخبر عن المضاف إليه وتترك المضاف كقوله تعالى: * (فظلت أعناقهم لها خاضعين) * (الشعراء: 4) فإن خاضعين خبر عن الضمير المضاف إليه الأعناق لا عن الأعناق ألا ترى أنك إذا قلت: الأعناق خاضعون لا يجوز لأن الجمع المذكر السالم إنما يكون من صفات العقلاء فلا يقال أيد طويلون ولا كلاب نابحون. وتعقب بأنه لعل هذا راجع إلى القول بالزيادة وقد علمت ما فيه. وقد قيل: إن المراد بالأعناق الرؤساء والمعظمون. وقيل: الجماعة كما يقال: جاء زيد في عنق من الناس أي في جماعة. وقال الروذراوري: إنه لو ساغ الإعراض عن المضاف والحكم على المضاف إليه لساغ أن يقال: كان صاحب الدرع سابغة ومالك الدار متسعة وليس فليس. الثامن: أن الرحمة والرحم متقاربان لفظا وهو واضح ومعنى بدليل النقل عن أئمة اللغة فأعطي أحدهما حكم الآخر. وتعقب بأنه ليس بشيء لأن الوعظ والموعظة تتقارب أيضا فينبغي أن يجيز هذا القائل أن يقال: موعظة نافع وعظة حسن وكذلك الذكر والذكرى فينبغي أن يقال: ذكرى نافع كما يقال: ذكر نافع. التاسع: أن فعيلا هنا بمعنى النسب فقريب معناه ذات قرب كما يقول الخليل في حائض: إنه بمعنى ذات حيض. وتعقب بأنه باطل لأن اشتمال الصفات على معنى النسب مقصور على أوزان خاصة وهي فعال وفعل وفاعل.
العاشر: ما قاله الروزراوري أن فعيلا مطلقا يشترك فيه المؤنث والمذكر. وتعقب بأنه من أفسد ما قيل لأنه خلاف الواقع في كلام العرب فإنهم يقولون: امرأة ظريفة وعليمة وحليمة ورحيمة ولا يجوز التذكير في شيء من ذلك ولهذا قال أبو عثمان المازني في قوله تعالى: * (وما كانت أمك بغيا) * (مريم: 28) أن بغيا فعول والأصل بغوى ثم قبلت الواو ياء والضمة كسرة وأدغمت الياء في الياء، وأما قوله: فتور القيام قطيع الكلام * تفتر عن در عروب حصر فالجواب عنه من أوجه: أحدها: أنه نادر. الثاني: أن أصله قطيعة ثم حذف التاء للإضافة كقوله تعالى: * (وإقام الصلاة) * (الأنبياء: 73) والإضافة مجوزة لحذف التاء كما توجب حذف النون والتنوين. وقد نص على ذلك غير واحد من القراء الثالث: أنه إنما جاز ذلك لمناسبة فتور لأنه فعول وهو يستوي فيه المذكر والمؤنث. الحادي عشر: أنهم يقولون في قرب النسب: قريب وإن أجري على مؤنث نحو فلانة قريب مني ويفرقون بينه وبين قرب المسافة. وتعقب بأنه مبني على أن يقال في القرب النسبي: فلان قرابتي. وقد نص جمع على
(١٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 137 138 139 140 141 142 143 144 145 146 147 ... » »»