وإن شاركوهم فيها فبالتبع فلا إشكال في الاختصاص المستفاد من اللام * (خالصة يوم القيامة) * لا يشاركهم فيها غيرهم. وعن الجبائي أن المعنى هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا غير خالصة من الهموم والأحزان والمشقة وهي خالصة يوم القيامة من ذلك وانتصاب * (خالصة) * على الحال من الضمير المستتر في الجار والمجرور والعامل فيه متعلقة. وقرأ نافع بالرفع على أنه خبر بعد خبر أو هو الخبر و * (للذين) * متعلق به قدم لتأكيد الخلوص والاختصاص * (كذلك نفصل الآيات) * أي مثل تفصيلنا هذا الحكم نفصل سائر الأحكام * (لقوم يعلمون) * ما في تضاعيفها من المعاني الرائقة. وجوز أن يكون هذا التشبيه على حد قوله تعالى: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (البقرة: 143) ونظائره مما تقدم تحقيقه.
* (قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغى بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) *.
* (قل إنما حرم ربي الفواحش) * أي ما تزايد قبحه من المعاصي. وقيل: ما يتعلق بالفروج * (ما ظهر منها وما بطن) * بدل من * (الفواحش) * أي جهرها وسرها. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ما ظهر الزنا علانية وما بطن الزنا سرا وقد كانوا يكرهون الأول ويفعلون الثاني فنهوا عن ذلك مطلقا. وعن مجاهد ما ظهر التعري في الطواف وما بطن الزنا. وقيل: الأول: طواف الرجال بالنساء. والثاني: طواف النساء بالليل عاريات.
* (والإثم) * أي ما يوجب الإثم، وأصله الذم فأطلق على ما يوجبه من مطلق الذنب، وذكر للتعميم بعد التخصيص بناء على ما تقدم من معنى الفواحش. وقيل: إن الإثم هو الخمر كما نقل عن ابن عباس والحسن البصري وذكره أهل اللغة كالأصمعي وغيره وأنشدوا له قول الشاعر: نهانا رسول الله أن نقرب الزنا * وأن نشرب الإثم الذي يوجب الوزرا وقول الآخر: شربت الإثم حتى ضل عقلي * كذاك الإثم يذهب بالعقول وزعم ابن الأنباري أن العرب لا تسمي الخمر اثما في جاهلية ولا إسلام وأن الشعر موضوع. والمشهور أن ذلك من باب المجاز لأن الخمر سبب الإثم. وقال أبو حيان وغيره: (إن هذا التفسير غير صحيح هنا لأن السورة مكية ولم تحرم الخمر إلا بالمدينة بعد أحد). وأيضا يحتاج حينئذ إلى دعوى أن الحصر إضافي فتدبر. * (والبغي) * الظلم والاستطالة على الناس. وأفرد بالذكر بناء على التعميم فيما قبله أو دخوله في الفواحش للمبالغة في الزجر عنه * (بغير الحق) * متعلق بالبغي لأن البغي لا يكون إلا كذلك. وجوز أن يكون حالا مؤكدة. وقيل: جيء به ليخرج البغي على الغير في مقابلة بغيه فإنه يسمى بغيا في الجملة لكنه بحق وهو كما ترى * (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * أي حجة وبرهانا، والمعنى على نفي الإنزال والسلطان معا على أبلغ وجه كقوله: لا ترى الضب بها ينجحر وفيه من التهكم بالمشركين ما لا يخفى * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * بالإلحاد في صفاته واإفتراء عليه كقولهم: * (والله أمرنا بها) * (الأعراف: 28) ولا يخفى ما في توجيه التحريم إلى قولهم عليه سبحانه ما لا يعلمون وقوعه دون ما يعلمون عدم وقوعه من السر الجليل.
* (ولكل أمة أجل فإذا جآء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) *.
* (ولكل أمة) * من الأمم المهلكة * (أجل) * أي وقت معين مضروب لاستئصالهم - كما قال الحسن -. وروي ذلك عن ابن عباس ومقاتل. وهذا كما قيل وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل