تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١٠٧
كل شيء المتجافي عن طرفي الإفراط والتفريط. وقال الراغب: " هو النصيب بالعدل كالنصف والنصفة. ويقال: القسط لأخذ قسط غيره وذلك جور والإقساط لإعطاء قسط غيره وذلك إنصاف ولذلك يقال: قسط الرجل إذا جار وأقسط إذا عدل ". وهذا أولى مما قاله الطبرسي من " أن أصله (الميل) فإن كان إلى جهة الحق فعدل ومنه قوله سبحانه: * (إن الله يحب المقسطين) * (المائدة: 42) وإن كان إلى جهة الباطل فجور ومنه قوله تعالى: * (وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا) * " (الجن: 15) والمراد به هنا - على ما نقل عن أبي مسلم - جميع الطاعات والقرب. وروي عن ابن عباس والضحاك أنه التوحيد وقول لا إله إلا الله ومجاهد والسدي وأكثر المفسرين على أنه الاستقامة والعدل في الأمور.
* (وأقيموا وجوهكم) * أي توجهوا إلى عبادته تعالى مستقيمين غير عادلين إلى غيرها * (عند كل مسجد) * أي في وقت كل سجود كما قال الجبائي أو مكانه كما قال غيره فعند بمعنى في والمسجد اسم زمان أو مكان بالمعنى اللغوي، وكان حقه فتح العين لضمها في المضارع إلا أنه مما شذ عن القاعدة، وزعم بعضهم أنه مصدر ميمي والوقت مقدر قبله، والسجود مجاز عن الصلاة. وقال غير واحد: المعنى توجهوا إلى الجهة التي أمركم الله تعالى بالتوجه إليها في صلاتكم وهي جهة الكعبة. والأمر على القولين للوجوب. واختار المغربي أن المعنى إذا أدركتم الصلاة في أي مسجد فصلوا ولا تؤخروها حتى تعودوا إلى مساجدكم، والأمر على هذا للندب والمسجد بالمعنى المصطلح ولا يخفى ما فيه من البعد. ومثله ما قيل: إن المعنى اقصد المسجد في وقت كل صلاة على أنه أمر بالجماعة ندبا عند بعض ووجوبا عند آخرين. والواو للعطف وما بعده قيل: معطوف على الأمر الذي ينحل إليه المصدر مع أن أي أن أقسطوا. والمصدر ينحل إلى الماضي والمضارع والأمر، وقال الجرجاني: إنه عطف على الخبر السابق المقول لقل وهو إنشاء معنى، وإن أبيت فالكلام من باب الحكاية. وجوز أن يكون هناك قل مقدارا معطوفا على نظيره. و * (أقيموا) * مقول له. وأن يكون معطوفا على محذوف تقديره قل أقبلوا وأقيموا.
* (وادعوه) * أي اعبدوه * (مخلصين له الدين) * أي الطاعة فالدعاء بمعنى العبادة لتضمنها له والدين بالمعنى اللغوي. وقيل: إن هذا أمر بالدعاء والتضرع إليه سبحانه على وجه الإخلاص أي ارغبوا إليه في الدعاء بعد إخلاصكم له في الدين * (كما بدأكم) * أي أنشأكم ابتداء * (تعودون) * إليه سبحانه فيجازيكم على أعمالكم فامتثلوا أوامره أو فأخلصوا له العبادة فهو متصل بالأمر قبله. وقال الزجاج: إنه متصل بقوله تعالى: * (فيها تحيون وفيها تموتون ومنها تخرجون) * (الأعراف: 25) ولا يخفى بعده. ولم يقل سبحانه: يعيدكم كما هو الملائم لما قبله إشارة إلى أن الإعادة دون البدء من غير مادة بحيث لو تصور الاستغناء عن الفاعل لكان فيها دونه فهو كقوله تعالى: * (وهو أهون عليه) * (الروم: 27) سواء كانت الإعادة الإيجاد بعد الإعدام بالكلية أو جمع متفرق الأجزاء. وإنما شبهها سبحانه بالإبداء تقريرا لإمكانها والقدرة عليها. وقال قتادة: المعنى كما بدأكم من التراب تعودون إليه كما قال سبحانه: * (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) * (طه: 55) وقيل: المعنى كما بدأكم لا تملكون شيئا كذلك تبعثون يوم القيامة.
(١٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 ... » »»