تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٨ - الصفحة ١١٦
ولا تعارض بين ما في هذه الآية وقوله تعالى: * (والله ربنا ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) لأن الطوائف مختلفة أو المواقف عديدة أو الأحوال شتى.
* (قال ادخلوا فىأمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس فى النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لاول‍اهم ربنا ه‍اؤلاء أضلونا فااتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ول‍اكن لا تعلمون) *.
* (قال) * أي الله عز وجل لأولئك الكاذبين المكذبين يوم القيامة بالذات أو بواسطة الملك * (ادخلوا في أمم) * أي مع أمم، والجار والمجرور في موضع الحال أي مصاحبين لامم * (قد خلت) * أي مضت * (من قبلكم من الجن والإنس) * يعني كفار الأمم من النوعين، وقدم الجن لمزيد شرهم * (في النار) * متعلق بأدخلوا، وجوز أن يتعلق * (في أمم) * به ويحمل * (في النار) * على البدلية أو على أنه صفة * (أمم) *؛ وجوز بعض المفسرين أن يكون هذا إخبارا عن جعله سبحانه إياهم في جملة أولئك من غير أن يكون هناك قول مطلقا أي إنه تعالى جعلهم كذلك وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى * (كلما دخلت أمة) * من الأمم تابعة أو متبوعة في النار * (لعنت أختها) * أي دعت على نظيرها في الدين فتلعن التابعة المتبوعة التي أضلتها وتلعن المتبوعة التابة التي زادت في ضلالها، وعن أبي مسلم يلعن الأتباع القادة يقولون أنتم أوردتمونا هذه الموارد فلعنكم الله تعالى.
* (حتى إذا اداركوا فيها جميعا) * غاية لما قبله أي يدخلون فوجا فوجا لاعنا بعضهم بعضا إلى انتهاء تلاحقهم باجتماعهم في النار. وأصل * (اداركوا) * تداركوا فادغمت التاء في الدال بعد قلبها دالا وتسكينها ثم اجتلبت همزة الوصل. وعن أبي عمرو أنه قرأ: * (أداركوا) * بقطع ألف الوصل وهو - كما قيل - مبني على أنه وقف مثل وقفة المستذكر ثم ابتدأ فقطع وإلا فلا مساغ لذلك في كلام الله تعالى الجليل، وقرأ * (إذا ادركوا) * بألف واحدة ساكنة ودال بعدها مشددة وفيه جمع بين ساكنين وجاز لما كان الثاني مدغما ولا فرق بين المتصل والمنفصل * (قالت أخراهم) * منزلة وهم الأتباع والسفلة * (لأولاهم) * منزلة وهم القادة والرؤساء أو قالت أخراهم دخولا لأولاهم كذلك، وتقدم أحد الفريقين على الآخر في الدخول مروي عن مقاتل، واللام في * (لأولاهم) * للتعليل لا للتبليغ كما في قولك: قلت لزيد افعل كذا لأن خطابهم مع الله تعالى لا معهم كما يدل عليه قوله تعالى حكاية عنهم: * (ربنا ه‍اؤلاء أضلونا) * أي دعونا إلى الضلال وأمرونا به حيث سنوه فاقتدينا بهم * (فآتهم عذابا ضعفا) * أي مضاعفا كما روي عن مجاهد * (من النار) *.
والضعف - على ما قال أبو عبيد ونص عليه الشافعي في الوصايا - مثل الشيء مرة واحدة، وعن الأزهري أن هذا معنى عرفي والضعف في كلام العرب وإليه يرد كلام الله تعالى المثل إلى ما زاد ولا يقتصر على مثلين بل هو غير محصور واختاره هنا غير واحد. وقال الراغب: (الضعف بالفتح مصدر وبالكسر اسم كالشيء والشيء وضعف الشيء هو الذي يثنيه ومتى أضيف إلى عدد اقتضى ذلك العدد (و) مثله نحو أن يقال ضعف عشرة وضعف مائة فذلك عشرون ومائتان بلا خلاف؛ وعلى ذلك قول الشاعر: جزيتك ضعف الود لما اشتكيته * وما إن جزاك الضعف من أحد قبلى وإذا قيل: أعطه ضعفي واحد اقتضى ذلك الواحد ومثليه وذلك ثلاثة لأن معناه الواحد واللذان يزاوجانه، (وذلك ثلاثة) (2) هذا إذا كان الضعف مضافا فإذا لم يكن مضافا فقلت: الضعفين فقد قيل: يجري مجرى الزوجين في أن كل واحد منهما يزاوج الآخر فيقتضي ذلك اثنين لأن كل واحد (منهما)) يضاعف الآخر فلا يخرجان منهما اه‍.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»