لثبوت الكسب والاختيار ويكفي هذه المدخلية في التعليل. والزمخشري قدر الفعل في قوله سبحانه: * (وفريقا حق) * خذل ووافقه بعض الناس وما فعله الطيبي هو المختار عند بعض المحققين لظهور الملاءمة فيه وخلوه عن شبهة الاعتزال. واختير تقديره مؤخرا لتتناسق الجملتان، وهما عند الكثير في موضع الحال من ضمير * (تعودون) * (الأعراف: 29) بتقدير قد أو مستأنفتان، وجوز نصب * (فريقا) * الأول و * (فريقا) * الثاني على الحال والجملتان بعدهما صفتان لهما، ويؤيد ذلك قراءة أبي * (تعودون فريقين فريقا هدى وفريقا) * الخ، والمنصوب على هذه القراءة إما بدل أو مفعول به لأعني مقدرا. ولم تلحق تاء التأنيث - لحق - للفصل أو لأن التأنيث غير حقيقي، والكلام على تقدير مضاف عند بعض أي حق عليهم كلمة الضلالة وهي قوله سبحانه: * (ضلوا) *.
* (ويحسبون أنهم مهتدون) * عطف على ما قبله داخل معه في حيز التعليل أو التأكيد. ولعل الكلام من قبيل - بنو فلان قتلوا فلانا - والأول لكونه في مقابلة من هداه الله تعالى شامل للمعاند والمخطىء والثاني مختص بالثاني وهو صادق على المقصر في النظر والباذل غاية الوسع فيه، واختلف في توجه الذم على الأخير وخلوده في النار. ومذهب البعض أنه معذور ولم يفرقوا بين من لا عقل له أصلا ومن له عقل لم يدرك به الحق بعد أن لم يدع في القوس منزعا في طلبه فحيث يعذر الأول لعدم قيام الحجة عليه يعذر الثاني لذلك، ولا يرون مجرد المالكية وإطلاق التصرف حجة ولله تعالى الحجة البالغة، والتزام أن كل كافر معاند بعد البعثة وظهور أمر الحق كنار على علم وإنه ليس في مشارق الأرض ومغاربها اليوم كافر مستدل مما لا يقدم عليه إلا مسلم معاند أو مسلم مستدل بما هو أوهن من بيت العنكبوت وأنه لأوهن البيوت. وادعى بعضهم أن المراد من المعطوف عليه المعاند ومن المعطوف المخطىء والظاهر ما قلنا، وجعل الجملة حالية على معنى اتخذوا الشياطين أولياء وهم يحسبون أنهم مهتدون في ذلك الاتخاذ لا يخفى ما فيه.
* (يابنىءادم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) *.
* (يا بني آدم خذوا زينتكم) * أي ثيابكم لمواراة عوراتكم لأن المستفاد من الأمر الوجوب والواجب إنما هو ستر العورة * (عند كل مسجد) * أي طواف أو صلاة، وإلى ذلك ذهب مجاهد وأبو الشيخ وغيرهما، وسبب النزول على ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه كان أناس من الأعراب يطوفون بالبيت عراة حتى إن كانت المرأة لتطوف بالبيت وهي عريانة فتعلق على سفلها سيورا مثل هذه السيور التي تكون على وجه الحمر من الذباب وهي تقول: اليوم يبدو بعضه أو كله * وما بدا منه فلا أحله فأنزل الله تعالى هذه الآية، وحمل بعضهم الزينة على لباس التجمل لأنه المتبادر منه ونسب للباقر رضي الله تعالى عنه، وروي عن الحسن السبط رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال فأتجمل لربي وهو يقول: * (خذوا زينتكم عند كل مسجد) * فأحب أن ألبس أجمل ثيابي، ولا يخفى أن الأمر حينئذ لا يحمل على الوجوب لظهور أن هذا التزين مسنون لا واجب، وقيل: إن الآية على الاحتمال الأول تشير إلى سنية التجمل لأنها لما دلت على وجوب أخذ الزينة لستر العورة عند ذلك فهم منه في الجملة حسن التزين بلبس ما فيه حسن وجمال عنده، ونسب بيت الكذب إلى الصادق رضي الله عنه تعالى أن أخذ الزينة التمشط كأنه قيل تمشطوا عند كل صلاة، ولعل ذلك من باب الاقتصار على بعض أنواع الزينة وليس المقصود حصرها فيما ذكر. ومثل