من المعطوف عليه لم يشاركه المعطوف فيه ومثل بالآية، وعليه لا محذور في العطف على * (لا يستأخرون) * لعدم المشاركة في القيد؛ وأنت تعلم أنهم ذكروا في هذا الباب أنه إذا عطف شيء على شيء وسبقه قيد يشارك المعطوف المعطوف عليه في ذلك القيد لا محالة، وأما إذا عطف على ما لحقه قيد فالشركة محتملة فالعطف على المقيد له اعتباران. الأول: أن يكون القيد سابقا في الاعتبار والعطف لاحقا فيه. والثاني: أن يكون العطف سابقا والقيد لاحقا، فعلى الأول لا يلزم اشتراك المعطوفين في القيد المذكور إذ القيد جزء من أجزاء المعطوف عليه، وعلى الثاني يجب الاشتراك إذ هو حكم من أحكام الأول يجب فيه الاشتراك. وبعضهم بنى العطف هنا على أن المراد بالمجيء الدنو بحيث يمكن التقدم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك، وتقديم بيان انتفاء الاستئخار - كما قيل - لما أن المقصود بالذات بيان عدم خلاصهم من العذاب، وأما في قوله تعالى: * (ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون) * (الحجر: 5 والمؤمنون: 43) من سبق السبق في الذكر فلما أن المراد هناك بيان سر تأخير إهلاكهم مع استحقاقهم له حسبما ينبىء عنه قوله سبحانه: * (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) * (الحجر: 3) فالأهم هناك بيان انتفاء السبق.
* (يابنىآدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم ءاياتى فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) *.
* (يا بني ءادم) * خطاب لكافة الناس. ولا يخفى ما فيه من الاهتمام بشأن ما في حيزه. وقد أخرج ابن جرير عن أبي يسار السلمي قال: (إن الله تبارك وتعالى جعل آدم وذريته في كفه فقال: * (يا بني آدم إما يأتينكم) * حتى بلغ * (فاتقون) * ثم بثهم). والذي ذهب إليه بعض المحققين أن هذا حكاية لما وقع مع كل قوم. وقيل: المراد ببني آدم أمة نبينا صلى الله عليه وسلم وهو خلاف الظاهر. ويبعده جمع الرسل في قوله سبحانه: * (إما يأتينكم رسل منكم) * أي من جنسكم. والجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع صفة لرسل. و * (إما) * هي إن الشرطية ضمت إليها - ما - لتأكيد معنى الشرط فهي مزيدة للتأكيد فقط، وقيل: إنها تفيد العموم أيضا فمعنى إما تفعلن مثلا إن اتفق منك فعل بوجه من الوجوه. ولزمت الفعل بعد هذا الضم نون التأكيد فلا تحذف على ما ذهب إليه المبرد والزجاج ومن تبعهما إلا ضرورة ومن ذلك قوله: فإما تريني ولي لمة * فإن الحوادث أودي بها ورد بأن كثرة سماع الحدف تبعد القول بالضرورة. ووجه هذا اللزوم عند بعض حذار انحطاط رتبة فعل الشرط عن حرفه، وقيل: إن نون التوكيد لا تدخل الفعل المستقبل المحض إلا بعد أن يدخل على أول الفعل ما يدل على التأكيد كلام القسم أو ما المزيدة ليكون ذلك توطئة لدخول التأكيد وعليه فأمر الاستتباع بعكس ما تقدم. وفي الإتيان بإن تنبيه على أن إرسال الرسل أمر جائز لا واجب وهو الذي ذهب إليه أهل السنة. وقالت المعتزلة: إنه واجب على الله تعالى لأنه سبحانه بزعمهم يجب عليه فعل الأصلح.
وقوله سبحانه: * (يقصون عليكم ءاياتي) * صفة أخرى لرسل. وجوز أن يكون في موضع الحال منه أو من الضمير في الظرف أي يعرضون عليكم أحكامي وشرائعي ويخبرونكم بها ويبينونها لكم. وقوله تعالى: * (فمن اتقاى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون) * جواب الشرط و (من) إما شرطية أو موصولة و (منكم) مقدر في نظم الكلام ليرتبط الجواب بالشرط. والمراد فمن اتقى منكم التكذيب وأصلح عمله