تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٩٣
بشيء من ذلك، ويفهم كلام البعض أنها للترتيب والتعقيب أيضا. واستشكل بأن السبب متقدم على المسبب لا متعقب إياه. وتكلف صاحب " التوضيح " لتوجيه بأن ما بعد الفاء علة باعتبار معلول باعتبار ودخول الفاء عليه باعتبار المعلولية لا باعتبار العلية. ورد بأنها لا تتأتى في كل محل، وفي " التلويح " الأقرب ما ذكره القوم من أنها إنما تدخل على العلل باعتبار أنها تدوم فتتراخى عن ابتداء الحكم، وفي " شرح المفتاح الشريفي " فإن قلت: كيف يتصور ترتب السبب على المسبب؟ قلت: من حيث إن ذكر المسبب يقتضي ذكر السبب انتهى. وعليه يظهر وجه الترتيب هنا مطلقا لكن ظاهر كلام النحاة وغيرهم أن هذه الفاء تختص بالوقوع بعد الأمر كأكرم زيدا فإنه أبوك، واعبد الله فإن العبادة حق إلى غير ذلك فالوجه الأول أولى. وليست الفاء فصيحة كما توهمه بعضهم من قول العلامة البيضاوي في بيان معنى الآية كأنه قيل: لما كانوا معرضين عن الآيات كلها كذبوا بالقرآن لأن الفاء الفصيحة لا تقدر جواب لما لأن جوابها الماضي لا يقترن بالفاء على الفصيح فكيف يقدر للفاء ما يقتضي عدمها فما مراد العلامة إلا بيان حاصل المعنى ولذا أسقط الفاء نعم قيل: إن هذا المعنى مما ينبغي تنزيه التنزيل عنه وفيه تأمل. وقد صرح بعض المحققين أن أمر الترتيب يجري في الآية سواء كانت الآية بمعنى الدليل أو المعجزة أو الآية القرآنية لتغاير الإعراض والتكذيب فيها.
والفاء في قوله تعالى: * (فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزءون) * للترتيب أيضا بناء على أن ما تقدم لكونه أمرا عظيما يقتضي ترتب الوعيد عليه، وقيل: يستهزئون إيذانا بأن ما تقدم كان مقرونا بالاستهزاء. واستدل به أبو حيان على أن في الكلام معطوفا محذوفا أي فكذبوا بالحق واستهزؤا به. ولا يخفى أن ذلك مما لا ضرورة إليه. و (ما) عبارة عن الحق المذكور. وعبر عنه بذلك تهويلا لأمره بإبهامه وتعليلا للحكم بما في حيز الصلة. والأنباء جمع نبأ وهو الخبر الذي يعظم وقعه. والمراد بأنباء القرآن التي تأتيهم ويتحقق مدلولها فيهم ويظهر لهم آيات وعيده وإخباره بما يحصل بهم في الدنيا من القتل والسبي والجلاء ونحو ذلك من العقوبات العاجلة، وقيل: المراد ما يعم ذلك والعقوبات التي تحل بهم في الآخرة من عذاب النار ونحوه؛ وقيل المراد بأنباء ذلك ما تضمن عقوبات الآخرة أو ظهور الإسلام وعلو كلمته، وظاهر ما يأتي من الآيات يرجح الأول.
وصرح بعض المحققين بأن إضافة * (أنباء) * بيانية وهو احتمال مقبول. وادعاء أنه مقحم وأن المعنى سيظهر لهم ما استهزؤا به من الوعيد الواقع فيه أو من نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أو نحو ذلك لا وجه له إذ لا داعي لإقحامه. وفي " البحر " " إنما قيد الكذب بالحق هنا وكان التنفيس بسوف وفي الشعراء (6) * (فقد كذبوا فسيأتيهم) * بدون تقيد الكذب والتنفيس بالسين لأن الأنعام متقدمة في النزول على الشعراء فاستوفى فيها اللفظ وحذف من الشعراء وهو مراد إحالة على الأول. وناسب الحذف الاختصار في حرف التنفيس فجيء بالسين ".
* (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكن‍اهم فى الارض ما لم نمكن لكم وأرسلنا السمآء عليهم مدرارا وجعلنا الانه‍ار تجرى من تحتهم فأهلكن‍اهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرنا ءاخرين) *.
* (ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن) * استئناف مسوق لتعيين ما هو المراد بما تقدم، وقيل: شروع في توبيخهم ببذل النصح لهم والأول أظهر. والرؤية عرفانية، وقيل: بصرية، والمراد في أسفارهم وليس بشيء. وهي على التقديرين تستدعي مفعولا واحدا. و * (كم) * استفهامية كانت أو خبرية معلقة لها عن العمل مفيدة للتكثير سادة مع ما في حيزها مسد مفعولها، وهي منصوبة بأهلكنا على المفعولية، وهي عبارة
(٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 ... » »»