مع أن الشائع في النكرة المخبر عنها به لزوم تقديمه عليها وفاء بحق التفخيم، فإن ما قصد به ذلك حقيق بالتقديم فالمعنى وأجل أي أجل مستقل بعلمه سبحانه وتعالى لا يقف على وقت حلوله سواه جل شأنه لا إجمالا ولا تفصيلا. وهذا بخلاف أجل الموت فإنه معلوم إجمالا بناءا على ظهور أماراته أو على ما هو المعتاد في أعمال الإنسان. وقيل: وجه الإخبار عن هذا أو التقييد بكونه عنده سبحانه وتعالى أنه من نفس المغيبات الخمس التي لا يعلمها إلا الله تعالى، والأول: أيضا وإن كان لا يعلمه إلا هو قبل وقوعه كما قال تعالى: * (وما تدري نفس بأي أرض تموت) * (لقمان: 34) لكنا نعلمه للذين شاهدنا موتهم وضبطنا تواريخ ولادتهم ووفاتهم فنعلمه سواء أريد به آخر المدة أو جملتها متى كان وكم مدة كان.
وذهب بعضهم إلى أن الأجل الأول ما بين الخلق والموت، والثاني: ما بين الموت والبعث. وروي ذلك عن الحسن وابن المسيب وقتادة والضحاك واختاره الزجاج ورواه عطاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه حيث قال: قضى أجلا من مولده إلى مماته وأجل مسمى عنده من الممات إلى البعث لا يعلم ميقاته أحد سواه سبحانه فإذا كان الرجل صالحا واصلا لرحمه زاد الله تعالى له في أجل الحياة من أجل الممات إلى البعث وإذا كان غير صالح ولا واصل نقصه الله تعالى من أجل الحياة وزاد في أجل الممات، وذلك قوله تعالى: * (وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب) * (فاطر: 11) وعليه فمعنى عدم تغير الأجل عدم تغير آخره، وقيل: الأجل الأول الزمن الذي يحيى به أهل الدنيا إلى أن يموتوا والأجل الثاني أجل الآخرة الذي لا آخر له، ونسب ذلك إلى مجاهد وابن جبير واختاره الجبائي.
ولا يخفى بعد إطلاق الأجل على المدة الغير المتناهية، وعن أبي مسلم أن الأجل الأول أجل من مضى والثاني أجل من بقي ومن يأتي، وقيل: الأول النوم والثاني الموت. ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأيده الطبرسي بقوله تعالى: * (ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) * (الزمر: 42) ولا يخفى بعده لأن النوم وإن كان أخا الموت لكنه لم تعهد تسميته أجلا وإن سمي موتا، وقيل: إن كلا الأجلين للموت ولكل شخص أجلان أجل يكتبه الكتبة وهو يقبل الزيادة والنقص وهو المراد بالعمر في خبر " إن صلة الرحم تزيد في العمر " ونحوه وأجل مسمى عنده سبحانه وتعالى لا يقبل التغيير ولا يطلع عليه غيره عز شأنه وكثير من الناس قالوا: إن المراد بالزيادة الواردة في غير ما خبر الزيادة بالبركة والتوفيق للطاعة، وقيل: المراد طول العمر ببقاء الذكر الجميل كما قالوا: ذكر الفتى عمره الثاني وضعفه الشهاب، وقيل: الأجلان واحد والتقدير وهذا أجل مسمى فهو خبر مبتدأ محذوف و * (عنده) * خبر بعد خبر أو متعلق بمسمى وهو أبعد الوجوه.
* (ثم أنتم تمترون) * أي تشكون في البعث كما أخرجه أبن أبي حاتم عن خالد بن معدان، وعن الراغب المرية التردد في المتقابلين وطلب الإمارة مأخوذ من مرى الضرع إذا مسحه للدر. ووجه المناسبة في استعماله في الشك أن الشك سبب لاستخراج العلم الذي هو كاللبن الخالص من بين فرث ودم. قيل: الامتراء الجحد، وقيل: الجدال. وأيا ما كان فالمراد استبعاد امترائهم في وقوع البعث وتحققه في نفسه مع مشاهدتهم في أنفسهم من الشواهد ما يقطع مادة ذلك بالكلية فإن من قدر على إفاضة الحياة وما يتفرع عليها على مادة غير مستعدة لشيء من ذلك كان أوضح اقتدارا على إفاضته على مادة قد استعدت له وقارنته مدة. ومن هذا يعلم أن شطرا من تلك الأوجه