عن الأشخاص، وقيل: إن الرؤية علمية تستدعي مفعولين والجملة سادة مسدهما. و * (من قرن) * مميز لكم على أنه عبارة عن أهل عصر من الأعصار سموا بذلك لاقترانهم مدة من الزمان فهو من قرنت. واختلف في مقدار تلك المدة فقيل: مائة وعشرون سنة، وقيل: مائة، وقيل: ثمانون، وقيل: سبعون، وقيل: ستون، وقيل: ثلاثون، وقيل: عشرون، وقيل: مقدار الأوسط في أعمار أهل كل زمان. ولما كان هذا لا ضابط له يضبط قال الزجاج: إنه عبارة عن أهل عصر فيهم نبي أو فائق في العلم على ما جرت به عادة الله تعالى. ويحتمل أن يعتبر ذلك مائة سنة لما ورد أن الله تعالى قيض لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها. وقيل: هو عبارة عن مدة من الزمان اختلف فيها على طرز ما تقدم. واختار بعضهم أنه حقيقة في الزمان المعين وفي أهله. والمراد به هنا الأهل من غير تجشم تقدير مضاف أو ارتكاب تجوز. وجوز بعضهم انتصاب * (كم) * على المصدرية بأهلكنا بمعنى إهلاك أو على الظرفية بمعنى أزمنة وهو تكلف. و (من) الأولى ابتدائية متعلقة بأهلكنا. وهمزة الإنكار لتقرير الرؤية. والمعنى ألم يعرف هؤلاء المكذبون المستهزئون بمعاينة الآثار وتواتر الأخبار كم أمة أهلكنا من قبل خلقهم أو من قبل زمانهم كقوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأضرابهم فالكلام على حذف مضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
وقوله تعالى: * (مكناهم في الأرض) * استئناف بياني كأنه قيل ما كان حالهم؟، وقال أبو البقاء: إنه في موضع جر صفة * (قرن) * لأن الجمل بعد النكرات صفات لاحتياجها إلى التخصيص. وجمع الضمير باعتبار معناه. وتعقبه مولانا شيخ الإسلام " بأن تنوينه التفخيمي مغن له عن استدعاء الصفة، على أن ذلك مع اقتضائه أن يكون مضمونه ومضمون ما عطف عليه من الجمل الأربع (أمرا) مفروغا عنه غير مقصود لسياق النظم مؤد إلى اختلاف النظم الكريم، كيف لا والمعنى حينئذ: ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن موصوفين بكذا وكذا وبإهلاكنا لهم بذنوبهم وأنه بين الفساد " انتهى. ولا يخفى أن التنوين التفخيمي لا يأبى الوصف. وما ورد فيه ذلك من النكرات أكثر من أن يحصى، وأما ما ذكره بعد فقد قال الشهاب: إنه غفلة منه أو تغافل عن تفسيرهم * (فأهلكناهم) * الخ الآتي بقولهم لم يغن ذلك عنهم شيئا. وتمكين الشيء في الأرض - على ما قيل - جعله قارا فيها. ولما لزم ذلك جعلها مقرا له ورد الاستعمال بكل منهما فقيل تارة مكنه في الأرض ومنه قوله تعالى: * (ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه) * (الأحقاق: 26) وأخرى مكن له في الأرض ومنه قوله تعالى: * (إنا مكنا له في الأرض) * (الكهف: 84) حتى أجرى كل منهما مجرى الآخر ومنه قوله تعالى: * (ما لم نمكن لكم) * بعدما تقدم كأنه قيل في الأول: مكنا لهم وفي الثاني: ما لم نمكنكم.
وفي " التاج " أن مكنته ومكنت له مثل نصحته ونصحت له. وقال أبو علي: اللام زائدة مثل * (ردف لكم) *. وكلام الراغب في مفرداته يؤيده. وذكر بعض المحققين أن مكنه أبلغ من مكن له، ولذلك خص المتقدم بالمتقدمين والمتأخر بالمتأخرين و * (ما) * إما موصولة صفة لمحذوف تقديره التمكين الذي لم نمكنه لكم أو نكرة موصوفة أي تمكينا لم نمكنه. وعليهما فهي مفعول مطلق والعائد إليها من الصلة أو الصفة محذوف، وقيل: إنها مفعول به لأن المراد من التمكين الإعطاء كما يشير إليه ما روي عن قتادة أي أعطيناهم ما تمكنوا به من أنواع التصرف ما لم نعطكم. وقيل: إنها مصدرية ظرفية أي مدة عدم تمكينكم ولا يخفى بعده والخطاب