معك فأنزل الله تعالى قوله سبحانه: * (وقالوا لولا أنزل) * الخ أي هلا أنزل عليه ملك يكون معه يحدث الناس عنه ويخبرهم أنه رسول من ربه سبحانه إليهم، ولعل هذا نظير ما حكى الله تعالى عنهم بقوله جل شأنه: * (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * (الفرقان: 7). ولما كان مدار هذا الاقتراح على شيئين. إنزال الملك على صورته وجعله معه صلى الله عليه وسلم يحدث الناس عنه وينذرهم. أجيب عنه بأن ذلك مما لا يكاد يوجد لاشتماله على المتباينين فإن إنزال الملك على صورته يقتضي انتفاء جعله محدثا ونذيرا وجعله محدثا ونذيرا يستدعي عدم إنزاله على صورته.
وقد أشير إلى الأول بقوله تعالى: * (ولو أنزلنا) * عليه * (ملكا) * على صورته الحقيقية فشاهدوه بأعينهم: * (لقضي الأمر) * أي لأتم أمر إهلاكهم بسبب مشاهدتهم له لمزيد هول المنظر مع ما هم فيه من ضعف القوى وعدم اللياقة. وقد قيل: إن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وهم هم إنما رأوا الملك في صورة البشر ولم يره أحد منهم على صورته غير النبي صلى الله عليه وسلم رآه كذلك مرتين مرة في الأرض بجياد ومرة في السماء، ولا يخفى أن هذا محتاج إلى نقل عن الأحاديث الصحيحة والذي صح من رواية الترمذي عن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى جبريل عليه السلام مرتين كما ذكر على صورته الأصلية لكن ليس فيه أن أحدا من إخوانه الأنبياء غيره عليه الصلاة والسلام لم يره كذلك، ولم يرد هذا - كما قال ابن حجر وناهيك به حافظا في شيء - من كتب الآثار، وإما رؤية النبي صلى الله عليه وسلم وكذا رؤية غيره من الأنبياء غير جبريل عليه السلام على الصورة الأصلية فهي جائزة بلا ريب، وظاهر الأخبار وقوعها أيضا لنبينا عليه الصلاة والسلام، وأما وقوع رؤية سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فلم أقف فيها على شيء لا نفيا ولا إثباتا، وعدم وقوع رؤية جبريل عليه السلام لو صح لا يدل على عدم رؤية غيره إذ ليست صور الملائكة كلهم كصورته عليه الصلاة والسلام في العظم، وخبر الخصمين والأضياف لإبراهيم ولوط وداود عليهم السلام ليس فيه دلالة على أكثر من رؤية هؤلاء الأنبياء للملائكة بصورة الآدميين وهي لا تستلزم أنهم لا يرونهم إلا كذلك وإلا لاستلزمت رؤية نبينا صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام بصورة دحية بن خليفة الكلبي رضي الله تعالى عنه مثلا عدم رؤيته عليه الصلاة والسلام إياهم إلا بالصورة الآدمية وهو خلاف ما تفهمه الأخبار، وبناء الفعل الأول في الجواب للفاعل مسندا إلى نون العظمة مع كونه في السؤال مبنيا للمفعول لتهويل الأمر وتربية المهابة، وبناء الثاني للمفعول للجري على سنن الكبرياء.
وكلمة * (ثم) * في قوله تعالى * (ثم لا ينظرون) * أي لا يمهلون بعد إنزاله ومشاهدتهم له طرفة عين فضلا عن أن يحظوا منه بكلمة أو يزيلوا به بزعمهم شبهة للتنبيه على بعد ما بين الأمرين قضاء الأمر وعدم الإنظار فإن مفاجأة الشدة أشد من نفس الشدة، وقيل: إنها للإشارة إلى أن لهم مهلة قدر أن يتاملوا. واعترض بأن قوله سبحانه: * (ثم لا ينظرون) * عطف على قوله عز وجل: * (لقضي) * ولا يمهل للتأمل بعد قضاء الأمر. وقيل في سبب إهلاكهم على تقدير إنزال الملك حسبما اقترحوه: إنهم إذا عاينوه قد نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورته الأصلية وهي آية لا شيء أبين منها ثم لم يؤمنوا لم يكن بد من إهلاكهم فإن سنة الله تعالى قد جرت بذلك فيمن قبلهم ممن كفر بعد نزول ما اقترح وروي هذا عن قتادة، وقيل: إنه يزول