تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٧١
سبحانه لأمتي قال: فماذا أجبت؟ قال: أجبت بالذي لو اطلع كثير منهم عليه تركوا الصلاة قلت: أفلا أبشر الناس؟ قال: بلى فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا ويتكلوا ويدعوا العبادة فناداه أن ارجع فرجع " لا يقوم دليلا على أن في الآية تعريضا بطلب المغفرة للكافر إذ لا يبعد منه صلى الله عليه وسلم الدعاء لأمته وطلب الشفاعة لهم بهذا النظم لكن لا على الوجه الذي قصده عيسى عليه السلام منه، ويحتمل أنه صلى الله عليه وسلم اقتبس ذلك من القرآن مؤديا به مقصوده الذي أراده وليس ذلك أول اقتباس له عليه الصلاة والسلام فقد صرح بعض العلماء أن دعاء التوجه عند الشافعية من ذلك القبيل والصلاة لا تنافي الدعاء، وما أخرجه مسلم ومن معه ليس فيه أكثر من أن ما ذكر آثار كأمن شفقته صلى الله عليه وسلم على أمته فدعا لهم بما دعا وذلك لا يتوقف على أن في الآية تعريضا لسؤال المغفرة للكافر، ثم إن للعلماء في بيان سر ذكر ذينك الاسمين الجليلين في الآية كلاما طويلا حيث أشكل وجه مناسبتهما لسياق ما قرنا به حتى حكي عن بعض القراء أنه غيرهما لسخافة عقله فكان يقرأ فإنك أنت الغفور الرحيم إلى أن حبس وضرب سبع درر، ووقع لبعض الطاعنين في القرآن من الملاحدة أن المناسب ما وقع في مصحف ابن مسعود فإنك أنت العزيز الغفور كما نقل ذلك ابن الأنباري، وقد علمت أحد توجيهاتهم لذلك.
وقيل: إن ذكرهما من باب الاحتراس لأن ترك عقاب الجاني قد يكون لعجز في القدرة أو لإهمال ينافي الحكمة فدفع توهم ذلك بذكرهما، وفي " أمالي العز بن عبد السلام " أن العزيز معناه هنا الذي لا نظير له، والمعنى وإن تغفر لهم فإنك أنت الذي لا نظير لك في غفرانك وسعة رحمتك، وأنت أولى من رحم وأجدر من غفر وستر الحكيم الذي لا يفعل شيئا إلا في مستحقه وهم مستحقون ذلك لفضلك وضعفهم، وهذا ظاهر في أن في الآية تعريضا بطلب المغفرة ولا أظنك تقول به، وادعى بعضهم أنهما متعلقان بالشرطين لا بالثاني فقط وحينئذ وجه مناسبتهما لا سترة عليه فإن من له الفعل والترك عزيز حكيم، وذكر أن هذا أنسب وأدق وأليق بالمقام.
* (قال الله ه‍اذا يوم ينفع الص‍ادقين صدقهم لهم جن‍ات تجرى من تحتها الانه‍ار خ‍الدين فيهآ أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذالك الفوز العظيم) *.
* (قال الله) * كلام مستأنف ختم به حكاية ما حكى مما يقع يوم يجمع الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وأشير إلى نتيجته ومآله، وصيغة الماضي لما تحقق، والمراد بقول الله تعالى عقيب جواب عيسى عليه السلام مشيرا إلى صدقه ضمن بيان حال الصادقين الذين هو في زمرتهم وبذلك يزول أيضا عنه عليه السلام خوفه من صورة ذلك السؤال لا أن إزالته هي المقصودة من القول على ما قيل.
* (ه‍اذا) * أي اليوم الحاضر * (يوم ينفع الصادقين) * أي المستمرين على الصدق في الأمور المطلوبة منهم التي معظمها التوحيد الذي نحن بصدده والشرائع والأحكام المتعلقة به من الرسل الناطقين بالحق والصدق الداعين إلى ذلك وبه تحصل الشهادة بصدق عيسى عليه السلام ومن الأمم المصدقين لأولئك الكرام عليهم الصلاة والسلام المقتدين بهم عقدا وعملا (وبه يتحقق المقصود بالحكاية (من ترغيب السامعين) في الإيمان) برسول الله صلى الله عليه وسلم * (صدقهم) * أي فيما ذكر في الدنيا إذ هو المستتبع للنفع والمجازاة يومئذ، وقيل: في الآخرة. والمراد من الصادقين الأمم ومن صدقهم صدقهم في الشهادة لأنبيائهم بالبلاغ وهو ينفعهم لقيامهم فيه بحق الله تعالى وهو كما ترى، وقيل: المراد صدقهم المستمر في دنياهم إلى آخرتهم ليتسنى كون ما ذكر شهادة بصدق عيسى عليه السلام فيما قاله جوابا عن السؤال على ما يقتضيه السوق، ويكون النفع باعتبار تحققه في الدنيا
(٧١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 ... » »»