الله عز وجل بعبارة أخرى وكأن الله تعالى قال له عليه السلام: مرهم بعبادتي أو قال لهم على لسان عيسى عليه السلام: أعبدوا الله رب عيسى وربكم فلما حكاه عيسى عليه السلام قال: * (أعبدوا الله ربي وربكم) * فكنى عن اسمه الظاهر بضميره كما قال الله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: * (قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى * الذي جعل لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى) * (طه: 52، 53) فإن موسى عليه السلام لا يقول فأخرجنا بل فأخرج الله تعالى لكن لما حكاه الله تعالى عنه عليه السلام رد الكلام إليه عز شأنه وأضاف الإخراج إلى ذاته عز وجل على طريقة المتكلم لا الحاكي وإن كان أول الكلام حكاية. ومثله قوله تعالى: * (ليقولن خلقهن العزيز العليم) * إلى قوله سبحانه: * (فأنشرنا به بلدة ميتا) * " (الزخرف: 9 - 11) إلى غير ذلك.
وقال أبو حيان: " يجوز أن يكون المفسر * (اعبدوا الله) * ويكون * (ربي وربكم) * من كلام عيسى عليه السلام على إضمار أعني (أي أعني ربي وبكم) لا على الصفة " لله عز اسمه واعتمده ابن الصائغ وجعله نظير قوله تعالى: * (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) * (النساء: 157) على رأي. وفي " أمالي ابن الحاجب " إذا حكى حاك كلاما فله أن يصف المخبر عنه بما ليس في كلام المحكي عنه، واستبعد ذلك الحلبي والسفاقسي وهو الذي يقتضيه الإنصاف. وقيل على الأول: إن بعضهم أجاز وقوع أن المفسرة بعد لفظ القول ولم يقتصر بها على ما في معناه فيقع حينئذ مفسرا له لكن أنت تعلم أنه لا ينبغي الاختلاف في أنه لا يقترن المقول المحكي بحرف التفسير لأن مقول القول في محل نصب على المفعولية والجملة المفسرة لا محل لها فلعل مراد البعض مجرد الوقوع والتزام أن المقول محذوف وهو المحكي وهذا تفسير له أي ما قلت لهم مقولا فتدبر فقد انتشرت كلمات العلماء هنا.
* (وكنت عليهم شهيدا) * أي رقيبا أراعي أحوالهم وأحملهم على العمل بموجب أمرك من غير واسطة ومشاهدا لأحوالهم من إيمان وكفر، و * (عليهم) * كما قال أبو البقاء متعلق بشهيدا، لعل التقديم لما مر غير مرة * (ما دمت فيهم) * أي مدة دوامي فيما بينهم * (فلما توفيتني) * أي قبضتني بالرفع إلى السماء كما يقال توفيت المال إذا قبضته. وروي هذا عن الحسن وعليه الجمهور. وعن الجبائي أن المعنى أمتني وادعى أن رفعه عليه السلام إلى السماء كان بعد موته وإليه ذهب النصارى وقد مر الكلام في ذلك.
* (كنت أنت الرقيب عليهم) * أي الحفيظ المراقب فمنعت من أردت عصمته عن المخالفة بالإرشاد إلى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسول وإنزال الآيات وخذلت من خذلت من الضالين فقالوا ما قالوا، وقيل: المراد بالرقيب المطلع المشاهد، ومعنى الجملتين إني ما دمت فيهم كنت مشاهدا لأحوالهم فيمكن لي بيانها فلما توفيتني كنت أنت المشاهد لذلك لا غيرك فلا أعلم حالهم ولا يمكنني بيانها، ولا يخفى أن الأول أوفق بالمقام، وقد نص بعض المحققين أن الرقيب والشهيد هنا بمعنى واحد وهو ما فسر به الشهيد أولا ولكن تفنن في العبارة ليميز بين الشهيدين والرقيبين لأن كونه عليه الصلاة والسلام رقيبا ليس كالرقيب الذي يمنع ويلزم بل كالشاهد على المشهود عليه ومنعه بمجرد القول وأنه تعالى شأنه هو الذي يمنع منع إلزام بالأدلة والبينات، و * (أنت) * ضمير فصل أو تأكيد و * (الرقيب) * خبر كان. وقرىء * (الرقيب) * بالرفع على أنه خبر (أنت)، والجملة خبر كان و * (عليهم) * في القراءتين متعلق بالرقيب. وقوله سبحانه: * (وأنت على كل شيء شهيد) * تذييل مقرر لمضمون ما قبله وفيه - على ما قيل - إيذان بأنه سبحانه كان