تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٦٠
عليه الصلاة والسلام لهم حين قالوا ذلك: * (اتقوا الله) * من أمثال هذا السؤال واقتراح الآيات كما قال الزجاج. وعن الفارسي أنه أمر لهم بالتقوى مطلقا. ولعل ذلك لتصير ذريعة لحصول المأمول فقد قال سبحانه: * (ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب) * (الطلاق: 2) وقال جل شأنه: * (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة) * (المائدة: 35) * (إن كنتم مؤمنين) * بكمال قدرته تعالى وبصحة نبوتي أو كاملين في الإيمان والإخلاص أو إن صدقتم في ادعاء الإيمان والإسلام.
* (قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الش‍اهدين) *.
* (قالوا نريد أن نأكل منها) * أكل تبرك وقيل: أكل تمتع وحاجة والإرادة إما مبعناها الظاهر أو بمعنى المحبة أي نحب ذلك والكلام كما قيل تمهيد عذر وبيان لما دعاهم إلى السؤال أي لسنا نريد من السؤال إزاحة شبهتنا في قدرته سبحانه على تنزيلها أو في صحة نبوتك حتى يقدح ذلك في الإيمان والتقوى ولكن نريد إلخ أو ليس مرادنا اقتراح الآيات لكن مرادنا ما ذكره. * (وتطمئن قلوبنا) * بازدياد اليقين كما قال عطاء * (ونعلم) * علم مشاهدة وعيان على ما قدمناه * (أن قد صدقتنا) * أي أنه قد صدقتنا في ادعاء النبوة، وقيل: في أن الله تعالى يجيب دعوتنا، وقيل: فيما ادعيت مطلقا.
* (ونكون عليها من الشاهدين) * عند من لم يحضرها من بني اسرائيل ليزداد المؤمنون منهم بشهادتنا طمأنينة ويقينا ويؤمن بسببها كفارهم أو من الشاهدين للعين دون السامعين للخبر، وقيل: من الشاهدين لله تعالى بالوحدانية ولك بالنبوة. و * (عليها) * متعلق بالشاهدين إن جعل اللام للتعريف أو بمحدوف يفسره * (من الشاهدين) * إن جعلت موصولة. وجوزنا تفسير ما لا يعمل للعامل، وقيل: متعلق به؛ وفيه تقديم ما في حيز الصلة وحرف الجر وكلاهما ممنوع. ونقل عن بعض النحاة جواز التقديم في الظرف، وعن بعضهم جوازه مطلقا، وجوز أن يكون حالا من اسم كان أي عاكفين عليها. وقرىء * (يعلم) * بالبناء للمفعول و * (تعلم وتكون) * بالتاء والضمير للقلوب.
* (قال عيسى ابن مريم اللهم ربنآ أنزل علينا مآئدة من السمآء تكون لنا عيدا لاولنا وءاخرنا وءاية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين) *.
* (قال عيسى ابن مريم) * لما رأى أن لهم غرضا صحيحا في ذلك، وأخرج الترمذي في " نوادر الأصول " وغيره عن سلمان الفارسي رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام لما رأى أن قد أبوا إلا أن يدعو لهم بها قام فألقى عنه الصوف ولبس الشعر الأسود ثم توضأ واغتسل ودخل مصلاه فصلى ما شاء الله تعالى فلما قضى صلاته قام قائما مستقبل القبلة وصف قدميه حتى استويا فألصق الكعب بالكعب وحاذى الأصابع بالأصابع ووضع يده اليمنى على اليسرى فوق صدره وغض بصره وطأطأ رأسه خشوعا ثم أرسل عينيه بالبكاء فما زالت دموعه تسيل على خديه وتقطر من أطراف لحيته حتى ابتلت الأرض حيال وجهه فلما رأى ذلك دعا الله تعالى فقال: * (اللهم ربنا) * ناداه سبحانه وتعالى مرتين على ما قيل مرة بوصف الألوهية الجامعة لجميع الكمالات وأخرى بوصف الربوبية المنبئة عن التربية إظهارا لغاية التضرع ومبالغة في الاستدعاء وإنما لم يجعل نداء واحدا بأن يعرب * (ربنا) * بدلا أو صفة لأنهم قالوا: إن لفظ اللهم لا يتبع وفيه خلاف لبعض النحاة. وحذف حرف النداء في الأول وعوض عنه الميم وكذا في الثاني إلا أن التعويض من خواص الاسم الجليل أي يا الله يا ربنا.
* (أنزل علينا مائدة) * أي خوانا عليه طعام أو سفرة كذلك، وتقديم الظرف على المفعول الصريح لما مر مرارا من الاهتمام بالمقدم والتشويق إلى المؤخر. وقوله سبحانه وتعالى: * (من السماء) *
(٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 ... » »»