تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ٧٦
فإنها مدنية، وقال غير واحد: كلها مكية إلا ست آيات * (وما قدروا الله حق قدره) * (91) إلى تمام ثلاث آيات و * (قل تعالوا أتل) * إلى آخر الثلاث.
وعدة آياتها عند الكوفيين مائة وخمس وستون وعند البصريين والشاميين ست وستون وعند الحجازيين سبع وستون. وقد كثرت الأخبار بفضلها فقد أخرج الحاكم وصححه والبيهقي في " الشعب " والإسماعيلي في " معجمه " عن جابر قال: لما نزلت سورة الأنعام سبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال عليه الصلاة والسلام: " لقد شيع هذه السورة من الملائكة ما سد الأفق " وخبر تشييع الملائكة لها رواه جمع من المحدثين إلا أن منهم من روى أن المشيعين سبعون ألفا ومنهم من روى أنهم كانوا أقل ومنهم من روى أنهم كانوا أكثر. وأخرج الديلمي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من صلى الفجر بجماعة وقعد في مصلاه، وقرأ ثلاث آيات من أول سورة الأنعام وكل الله تعالى به سبعين ملكا يسبحون الله تعالى ويستغفرون له إلى يوم القيامة ".
وأخرج أبو الشيخ عن حبيب بن محمد العابد قال: من قرأ ثلاث آيات من أول الأنعام إلى قوله تعالى: * (تكسبون) * (3) بعث الله تعالى له سبعين ألف ملك يدعون له إلى يوم القيامة وله مثل أعمالهم فإذا كان يوم القيامة أدخله الجنة وسقاه من السلسبيل وغسله من الكوثر وقال: أنا ربك حقا وأنت عبدي إلى غير ذلك من الأخبار، وغالبها في هذا المطلب ضعيف وبعضها موضوع كما لا يخفى على من نقر عنها. ولعل الأخبار بنزول هذه السورة جملة أيضا كذلك. وحكى الإمام اتفاق الناس على القول بنزولها جملة ثم استشكل ذلك بأنه كيف يمكن أن يقال حينئذ في كل واحدة من آياتها إن سبب نزولها الأمر الفلاني مع أنهم يقولونه. والقول بأن مراد القائل بذلك عدم تخلل نزول شيء من آيات سورة أخرى بين أوقات نزول آياتها مما لا تساعده الظواهر بل في الأخبار ما هو صريح فيما يأباه. والقول بأنها نزلت مرتين دفعة وتدريجا خلاف الظاهر ولا دليل عليه. ويؤيده ما أشرنا إليه من ضعف الأخبار بالنزول جملة ما قاله ابن الصلاح في " فتاويه " الحديث الوارد في أنها نزلت جملة رويناه من طريق أبي بن كعب ولم نر له سندا صحيحا، وقد روي ما يخالفه انتهى. ومن هذا يعلم ما في دعوى الإمام اتفاق الناس على القول بنزولها جملة فتدبر. ووجه مناسبتها لآخر المائدة على - ما قال بعض الفضلاء - أنها افتتحت بالحمد وتلك اختتمت بفصل القضاء وهما متلازمان كما قال سبحانه: * (وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين) * (الزمر: 75).
وقال الجلال السيوطي في وجه المناسبة: أنه تعالى لما ذكر في آخر المائدة (120) * (لله ملك السموات والأرض وما فيهن) * على سبيل الإجمال افتتح جل شأنه هذه السورة بشرح ذلك وتفصيله فبدأ سبحانه بذكر خلق السموات والأرض وضم تعالى إليه أنه جعل الظلمات والنور وهو بعض ما تضمنه ما فيهن ثم ذكر عز اسمه أنه خلق النوع الإنساني وقضى له أجلا وجعل له أجلا آخر للبعث وأنه جل جلاله منشىء القرون قرنا بعد قرن ثم قال تعالى: * (قل لمن ما في السموات) * (12) الخ فأثبت له ملك جميع المظروفات لظرف المكان. ثم قال عز من قائل: * (وله ما سكن في الليل والنهار) * (13) فأثبت أنه جل وعلا ملك جميع المظروفات لظرف الزمان. ثم ذكر سبحانه خلق سائر الحيوان من الدواب والطير ثم خلق النوم واليقظة والموت. ثم أكثر عز وجل في أثناء السورة من الإنشاء والخلق لما فيهن من النيرين والنجوم وفلق الإصباح وفلق الحب والنوى وإنزال الماء وإخراج النبات والثمار بأنواعها وإنشاء جنات معروشات وغير معروشات إلى غير ذلك مما فيه تفصيل ما فيهن، وذكر عليه الرحمة وجها آخر في المناسبة أيضا وهو أنه
(٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 ... » »»