تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٧٦
كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم وإذا لقيتم الناس لقيتموهم مخبتين تراؤون الناس بأعمالكم خلاف ما تعطوني من قلوبكم هبتم الناس ولم تهابوني وأجللتم الناس ولم تجلوني وتركتم للناس ولم تتركوا لي فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرمتم من الثواب " والكل عندي محتمل ولا قطع فتدبر. واختلفوا في أن الحفظة هل يتجددون كل يوم وليلة أم لا؟ فقيل: إنهم يتجددون وملائكة الليل غير ملائكة النهار دائما إلى الموت، وقيل: إن ملائكة الليل يذهبون فتأتي ملائكة النهار ثم إذا جاء الليل ذهبوا ونزل ملائكة الليل الأولون لا غيرهم وهكذا، وقيل: إن ملائكة الحسنات يتجددون دون ملائكة السيئات وهو الذي يقتضيه حسن الظن بالله تعالى. واختلف في مقرهم بعد موت المكلف فقيل: يرجعون مطلقا إلى معابدهم في السماء، وقيل: يبقون حذاء قبر المؤمن يستغفرون له حتى يقوم من قبره. وصحح غير واحد أن كاتب الحسنات لا ينحصر في واحد لحديث " رأيت كذا وكذا يبتدرونها أيهم يكتبها أول " والحكمة في هؤلاء الحفظة " أن المكلف إذا علم أن أعماله تحفظ عليه وتعرض على رؤوس الأشهاد كان ذلك أزجر له عن تعاطي المعاصي والقبائح " وأن العبد إذا وثق بلطف سيده واعتمد على ستره وعفوه لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطلعين عليه، وقول الإمام: " يحتمل أن تكون الفائدة في الكتابة أن توزن تلك الصحائف يوم القيامة لأن وزن الأعمال غير ممكن " بخلاف وزن الصحائف فإنه ممكن ليس بشيء كما لا يخفى، والقول بوزن الصحائف أنفسها قول لبعضهم، هذا * (ويرسل) * إما مستأنف أو عطف على * (القاهر) * لأنه بمعنى الذي يقهر، وعطفه كما زعم أبو البقاء على * (يتوفاكم) * وما بعده من الأفعال المضارعة ليس بشيء كاحتمال جعله حالا من الضمير في * (القاهر) * أو في الظرف لأن الواو الحالية كما أشرنا إليه آنفا لا تدخل على المضارع، وتقدير المبتدأ لا يخرجه عن الشذوذ على الصحيح، و * (عليكم) * متعلق بيرسل لما فيه من معنى الاستيلاء، وتقديمه على المفعول الصريح لما مر غير مرة من الاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، وقيل: هو متعلق بمحذوف وقع حالا من * (حفظة) * إذ لو تأخر لكان صفة أي كائنين عليكم. وقيل: متعلق بحفظة وهو جمع حافظ ككتبة وكاتب.
و * (حتى) * في قوله تعالى: * (حتى إذا جاء أحدكم الموت) * هي التي يبتدأ بها الكلام وهي مع ذلك تجعل ما بعدها من الجملة الشرطية غاية لما قبلها كأنه قيل: ويرسل عليكم حفظة يحفظون ما يحفظون منكم مدة حياتكم حتى إذا انتهت مدة أحدكم وجاء أسباب الموت ومباديه * (توفته رسلنا) * الآخرون المفوض إليهم ذلك وانتهى هناك حفظ الحفظة؛ والمراد بالرسل على ما أخرجه ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أعوان ملك الموت، ونحوه ما أخرجاه عن قتادة قال: إن ملك الموت له رسل يباشرون قبض الأرواح ثم يدفعونها إلى ملك الملك.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الكلبي أن ملك الموت هو الذي يلي ذلك ثم يدفع الروح إن كانت مؤمنة إلى ملائكة الرحمة وإن كانت كافرة إلى ملائكة العذاب. والأكثرون على أن المباشر ملك الموت وله أعوان من الملائكة، وإسناد الفعل إلى المباشر والمعاون معا مجاز كما يقال بنو فلان قتلوا قتيلا والقاتل واحد منهم، وقد جاء إسناد الفعل إلى ملك الموت فقط باعتبار أنه المباشر وإلى الله تعالى باعتبار أنه سبحانه الآمر الحقيقي. وقد أشرنا فيما تقدم أن بعض الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم قال: إن المتوفي تارة يكون
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»