وأن أبا يحيى ويحيى كلاهما $ له عمل من ربه متقبل وأن الذي عادى اليهود ابن مريم $ رسول أتى من عند ذي العرش مرسل وأن أخا الأحقاف إذ قام فيهم $ يقوم بذات الله فيهم ويعدل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا أشهد. وروى عكرمة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى حكاية عن إبليس: * (ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم) * (الأعراف: 17) أنه قال: لم يستطع أن يقول ومن فوقهم لأنه قد علم أن الله تعالى سبحانه من فوقهم، والآيات والأخبار التي فيها التصريح بما يدل على الفوقية كقوله تعالى: * (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) * (الزمر: 1). و * (إليه يصعد الكلم الطيب) * (فاطر: 10) و * (بل رفعه الله) * (النساء: 158) إليه. و * (تعرج الملائكة والروح إليه) * (المعارج: 4) وقوله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه مسلم: " وأنت الظاهر فليس فوقك شيء " كثيرة جدا، وكذا كلام السلف في ذلك فمنه ما روى شيخ الإسلام أبو إسمعيل الأنصاري في كتابه " الفاروق " بسنده إلى أبي مطيع البلخي أنه سأل أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه عمن قال: لا أعرف ربي سبحانه في السماء أم في الأرض فقال: قد كفر لأن الله تعالى يقول: * (الرحمن على العرش استوى) * (طه: 5) وعرشه فوق سبع سموات فقال: قلت فإن قال إنه على العرش ولكن لا أدري العرش في السماء أم في الأرض؟ فقال رضي الله تعالى عنه هو كافر لأنه أنكر آية في السماء ومن أنكر آية في السماء فقد كفر، وزاد غيره لأن الله تعالى في أعلى عليين وهو يدعى من أعلى لا من أسفل.
وأيد القول بالفوقية أيضا بأن الله تعالى لما خلق الخلق لم يخلقهم في ذاته المقدسة تعالى عن ذلك فإنه الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد فتعين أنه خلقهم خارجا عن ذاته ولو لم يتصف سبحانه بفوقية الذات مع أنه قائم بنفسه غير مخالط للعالم لكان متصفا بضد ذلك لأن القابل للشيء لا يخلو منه أو من ضده وضد الفوقية السفول وهو مذموم على الإطلاق، والقول بأنا لا نسلم أنه قابل للفوقية حتى يلزم من نفيها ثبوت ضدها مدفوع بأنه سبحانه لو لم يكن قابلا للعلو والفوقية لم يكن له حقيقة قائمة بنفسها فمتى سلم بأنه جل شأنه ذات قائم بنفسه غير مخالط للعالم وأنه موجود في الخارج ليس وجوده ذهنيا فقط بل وجوده خارج الأذهان قطعا وقد علم كل العقلاء بالضرورة أن ما كان وجوده كذلك فهو إما داخل العالم وإما خارج عنه وإنكار ذلك إنكار ما هو أجلى البديهيات فلا يستدل بدليل على ذلك إلا كان العلم بالمباينة أظهر منه وأوضح، وإذا كان صفة الفوقية صفة كمال لا نقص فيها ولا يوجب القول بها مخالفة كتاب ولا سنة ولا إجماع كان نفيها عين الباطل لا سيما والطباع مفطورة على قصد جهة العلو عند التضرع إلى الله تعالى.
وذكر محمد بن طاهر المقدسي أن الشيخ أبا جعفر الهمداني حضر مجلس إمام الحرمين وهو يتكلم في نفي صفة العلو ويقول: كان الله تعالى ولا عرش وهو الآن على ما كان فقال الشيخ أبو جعفر: أخبرنا يا أستاذ عن هذه الضرورة التي نجدها في قلوبنا فإنه ما قال عارف قط يا الله إلا وجد في قلبه ضرورة بطلب العلو لا يلتفت يمنة ولا يسرة فكيف تدفع هذه الضرورة عن أنفسنا قال: فلطم الإمام على رأسه ونزل وأظنه قال وبكى وقال حيرني الهمداني، وبعضهم تكلف الجواب عن هذا بأن هذا التوجه إلى فوق إنما هو لكون السماء قبلة الدعاء كما أن الكعبة قبلة الصلاة، ثم هو أيضا منقوض بوضع الجبهة على الأرض مع أنه سبحانه ليس في جهة الأرض، ولا يخفى أن هذا باطل، أما أولا: فلأن السماء قبلة للدعاء لم يقله أحد من سلف الأمة ولا أنزل الله تعالى به من