شيئا من ذلك بأن يشاهدوه بسماعه لا يؤمنوا به "، ولعل ما قدمناه أحلى لدى الذوق السليم.
* (حتى إذا جاءوك يجادلونك) * أي يخاصمونك وينازعونك. و * (حتى) * هي التي تقع بعدها الجمل ويقال لها: حتى الابتدائية ولا محل للجملة الواقعة بعدها خلافا للزجاج وابن درستويه زعما أنها في محل جر بحتى. ويرده أن حروف الجر لا تعلق عن العمل وإنما تدخل على المفرد أو ما في تأويله. والجملة هنا قوله تعالى: * (إذا جاءوك) * مع جواب الشرط أعني قوله سبحانه وتعالى: * (يقول الذين كفروا) * وما بينهما حال من فاعل جاؤوا. وإنما وضع الموصول موضع الضمير ذما لهم بما في حيز الصلة وإشعارا بعلة الحكم. و * (إذا) * منصوبة المحل على الظرفية بالشرط أو الجواب على الخلاف الشهير في ذلك، واعترض بأن جعل * (يجادلونك) * في موضع الحال و * (يقول الذين) * جوابا مفض إلى جعل الكلام لغوا لأن المجادلة نفس هذا القول إلا أن تؤول المجادلة بقصدها. ولا يخفى ما فيه، فإن المجادلة مطلق المنازعة. وسميت بذلك لما فيها من الشدة أو لأن كل واحد من المتجادلين يريد أن يلقى صاحبه على الجدالة أي الأرض. والقول المذكور فرد منها فالكلام مفيد أبلغ فائدة كقولك إذا أهانك زيد شتمك، وذكر بعض النحويين أن حتى إذا وقع بعدها إذا يحتمل أن تكون بمعنى الفاء وأن تكون بمعنى إلى والغاية معتبرة في الوجهين أي بلغوا من التكذيب والمكابرة إلى أنهم إذا جاؤوك مجادلين لك لا يكتفون بمجرد عدم الإيمان (بما سمعوا من الآيات الكريمة) بل يقولون:
* (إن هاذا) * أي ما هذا * (إلا أساطير الأولين) * أي أحاديثهم المسطورة التي لا يعول عليها، وقال قتادة: كذبهم وباطلهم. وحاصل ما ذكر أن تكذيبهم بلغ النهاية بما ذكر لأنه الفرد الكامل منه. ونظير ذلك - مات الناس حتى الأنبياء - وجوز أن تكون * (حتى) * هي الجارة و * (إذا جاءوك) * في موضع الجر وهو قول الأخفش وتبعه ابن مالك في " التسهيل ". ورده أبو حيان في شرحه. وعليه فإذا خارجة عن الظرفية كما صرحوا به وعن الشرطية أيضا فلا جواب لها فيقول حينئذ: تفسير ليجادلونك وهو في موضع الحال أيضا، والأساطير عند الأخفش جمع لا مفرد له كأبابيل ومذاكير، وقال بعضهم: له مفرد. وفي " القاموس " " إنه جمع إسطار وإسطير بكسرهما وأسطور وبالهاء في الكل "، وقيل: جمع أسطار بفتح الهمزة جمع سطر بفتحتين كسبب وأسباب فهو جمع جمع. وأصل السطر بمعنى الخط.
* (وهم ينهون عنه وينأون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون) *.
* (وهم ينهون عنه) * الضمير المرفوع (للمشركين) والمجرور للقرآن أي لا يقنعون بما ذكر من تكذيبه وعده حديث خرافة بل ينهون الناس عن استماعه لئلا يقفوا على حقيته فيؤمنوا به * (وينأون عنه) * أي يتباعدون عنه بأنفسهم إظهارا لغاية نفورهم عنه وتأكيدا لنهيهم (عنه) فإن اجتناب الناهي عن المنهي عنه من متممات النهي، ولعل ذلك - كما قال شيخ الإسلام - هو السر في تأخير النأي عن النهي. وهذا هو التفسير الذي أخرجه ابن أبي شيبة وابن حميد وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن مجاهد رحمة الله تعالى عليه، وقيل: الضمير المجرور للرسول صلى الله عليه وسلم على معنى ينهون الناس عن الإيمان به عليه الصلاة والسلام ويتباعدون عنه. وهو التفسير الذي أخرجه أبنا جرير والمنذر وأبي حاتم ومردويه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وأخرجه أيضا ابن جرير من طريق العوفي. وروي ذلك عن محمد بن الحنفية والسدي والضحاك، وقيل: الضمير المرفوع لأبي طالب وأتباعه أو أضرابه والمجرور