تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١١١
على معنى أنه عليه الصلاة والسلام أمر بأن يقول كذا ونهى عن كذا، وتعقب بأن سلالة النظم تأبى عن فصل الخطابات التبليغية بعضها عن بعض بخطاب ليس منها، وجوز أن يعطفه على * (إني أمرت) * داخلا في حيز * (قل) * والخطاب لكل من المشركين، ولا يخفى تكلفه وتعسفه، وعدم صحة عطف على * (أكون) * ظاهر إذ لا وجه للالتفات ولا معنى لأن يقال أمرت أن لا تكونن.
* (قل إنىأخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم) *.
* (قل إني أخاف إن عصيت ربي) * أي بمخالفة أمره ونهيه أي عصيان كان فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا، وقوله سبحانه وتعالى: * (عذاب يوم عظيم) * أي عذاب يوم القيامة - وعظمه لعظم ما يقع فيه - مفعول * (أخاف) * والشرطية معترضة بينهما وجواب الشرط محذوف وجوبا. وما تقدم على الأداة شبيه به فهو دليل عليه وليس إياه على الأصح خلافا للكوفيين والمبرد، والتقدير إن عصيت أخف أو أخاف عذاب الخ، وقيل: صرت مستحقا لعذاب ذلك اليوم. وفي الكلام مبالغة أخرى بالنظر إلى ما يفهم مما تقدم في قطع أطماعهم وتعريض بأنهم عصاة مستحقون للعذاب حيث أسند إلى ضمير المتكلم ما هو معلوم الانتفاء. وقرن بإن التي تفيد الشك وجىء بالماضي إبرازا له في صورة الحاصل على سبيل الفرض. ويؤول المعنى في الآخرة إلى تخويفهم على صدور ذلك الفعل منهم فليس في الكلام دلالة على أنه عليه الصلاة والسلام يخاف على نفسه المقدسة الكفر والمعصية مع أنه ليس كذلك لعصمته صلى الله عليه وسلم. وأورد بعضهم دلالة الآية على ما ذكر بحثا ثم قال: وأجيب عنه بأن الخوف تعلق بالعصيان الممتنع الوقوع امتناعا عاديا فلا تدل إلا على أنه عليه الصلاة والسلام يخاف لو صدر عنه وحاشاه الكفر والمعصية وهذا لا يدل على حصول الخوف، وأنت تعلم أن فيما قدمنا غنى عن ذلك. ويفهم من كلام بعضهم أن خوف المعصوم من المعصية لا ينافي العصمة لعلمه أن الله سبحانه وتعالى فعال لما يريد وأنه لا يجب عليه شيء، وفي بعض الآثار أنه عز شأنه قال لموسى عليه السلام: " يا موسى لا تأمن مكري حتى تجوز الصراط ".
وجاء في غير ما خبر أنه صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح يصفر وجهه الشريف ويقول: أخاف أن تقوم الساعة مع أن الله تعالى أخبره أن بين يديها ظهور المهدي وعيسى عليهما السلام وخروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها إلى غير ذلك من الأمارات التي لم توجد إذ ذاك ولم تحقق بعد. وصح أنه صلى الله عليه وسلم اعتذر عن عدم خروجه عليه الصلاة والسلام لصلاة التراويح بعد أن صلاها أول رمضان وتكاثر الناس رغبة فيها بقوله: (خشيت أن تفرض عليكم) مع أن ما كان ليلة الإسراء إذ فرضت الصلوات يشعر بأنه تعالى لا يفرض زيادة عن الخمس وكل ذلك يدل على أن لله تعالى أن يفعل ما شاء وقصارى ما يلزم في أمثال ذلك لو فعل تغير تعلق الصفة وهو لا يستلزم تغير الصفة ليلزم الحدوث وقيام الحوادث به تعالى شأنه وهذا بحث طويل الذيل ولعل النوبة تفضي إلى تحقيقه إن شاء الله تعالى.
* (من يصرف عنه يومئذ فقد رحمه وذلك الفوز المبين) *.
* (من يصرف عنه يومئذ) * أي من يصرف العذاب عنه فنائب الفاعل ضمير العذاب، وضمير * (عنه) * يعود على * (من) *، وجوز العكس أي من يصرف عن العذاب. و * (من) * على الوجهين مبتدأ خبره الشرط أو الجواب أو هما على الخلاف، والظرف متعلق بالفعل أو بالعذاب أو بمحذوف وقع حالا من الضمير. وجوز أن يكون نائب الفاعل. وهل يحتاج حينئذ إلى تقدير مضاف أي عذاب يومئذ أم لا؟ فيه خلاف فقيل: لا بد منه لأن الظرف غير التام أي المقطوع عن الإضافة كقبل وبعد لا يقام مقام الفاعل إلا بتقدير
(١١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 116 ... » »»