تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١١٣
من غير أن يقدر على دفعه ورفعه أحد كقوله تعالى: * (فلا راد لفضله) * (يونس: 107) ويظهر من هذا ارتباط الجزاء بالشرط. وقيل: إن الجواب محذوف تقديره فلا راد له غيره تعالى، والمذكور تأكيد للجوابين لأن قدرته تعالى على كل شيء من الخير والشر تؤكد أنه سبحانه وتعالى كاشف الضر وحافظ النعم ومديمها، وزعم أنه لا تعلق له بالجواب الأول بل هو علة الجواب الثاني ظاهر البطلان إذ القدرة على كل شيء تؤكد كشف الضر بلا شبهة وإنكار ذلك مكابرة، " وأصل المس - كما قال أبو حيان - تلاقى الجسمين، والمراد به هنا الإصابة. وجعل غير واحد الباء في بضر وفي بخير للتعدية وإن كان الفعل متعديا كأنه قيل: وإن يمسسك الله الضر. وفسروا الضر بالضم بسوء الحال في الجسم وغيره وبالفتح بضد النفع، وعدل عن الشر المقابل للخير إلى الضر - على ما في " البحر " - لأن الشر أعم فأتى بلفظ الأخص مع الخير الذي هو عام رعاية لجهة الرحمة، وقال ابن عطية: إن مقابلة الخير بالضر مع أن مقابله الشر وهو أخص منه من خفي الفصاحة للعدول عن قانون الضعة وطرح رداء التكلف وهو أن يقرن بأخص من ضده ونحوه لكون أوفق بالمعنى وألطق بالمقام كقوله تعالى: * (إن لك تجوع فيها ولا تعرى * وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى) * (طه: 118، 119) فجيء بالجوع مع العري وبالظمأ مع الضحو وكان الظاهر خلافه. ومنه قول امرىء القيس: كأني لم أركب جوادا للذة $ ولم أتبطن كاعبا ذات خلخال ولم أسبأ الزق الروي ولم أقل $ لخيلي كري كرة بعد إجفال وإيضاحه أنه في الآية قرن الجوع الذي هو خلو الباطن بالعري الذي هو خلو الظاهر والظمأ الذي فيه حرارة الباطن بالضحى الذي فيه حرارة الظاهر. وكذلك قرن امرىء القيس علوه على الجواد بعلوه على الكاعب لأنهما لذتان في الاستعلاء وبذل المال في شراء الراح ببذل الأنفس في الكفاح لأن في الأول: سرور الطرب وفي الثاني: سرور الظفر. وكذا هنا أوثر الضر لمناسبته ما قبله من الترهيب " فإن انتقام العظيم عظيم. ثم لما ذكر الإحسان أتى بما يعم أنواعه، والآية من قبيل اللف والنشر فإن مس الضر ناظر إلى قوله تعالى: * (إني أخاف) * (الأنعام: 15) الخ ومس الخير ناظر إلى قوله سبحانه: * (من يصرف عنه) * (الأنعام: 16) الخ. وهي على ما قيل داخلة في حيز * (قل) * (الأنعام: 15) والخطاب عام لكل من يقف عليه أو لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم ولا نافية للجنس، و * (كاشف) * اسمها و * (له) * خبرها والضمير المتفصل بدل من موضع * (لا كاشف) * أو من الضمير في الظرف، ولا يجوز - على ما قيل أبو البقاء - أن يكون مرفوعا بكاشف ولا بدلا من الضمير فيه لأنك في الحالين تعمل اسم لا ومتى أعملته في ظاهر نونته. وفي هذه الآية الكريمة رد على من رجا كشف الضر من غير سبحانه وتعالى وأمل أحدا سواه.
وفي " فتوح الغيب " للقطب الرباني سيدي عبد القادر الجيلاني قدس الله تعالى سره من كلام طويل إن من أراد السلامة في الدنيا والآخرة فعليه بالصبر والرضا وترك الشكوى إلى خلقه وإنزال حوائجه بربه عز وجل ولزوم طاعته وانتظار الفرج منه سبحانه وتعالى والانقطاع إليه فحرمانه عطاء وعقوبته نعماء وبلاؤه دواء ووعده حال، وقوله فعل وكل أفعاله حسنة وحكمة ومصلحة غير أنه عز وجل طوى علم المصالح عن عباده وتفرد به فليس إلا الاشتغال بالعبودية من أداء الأوامر واجتناب النواهي والتسليم في القدر وترك الاشتغال
(١١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 108 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 ... » »»