وأخرج أبو عبيدة وابن جرير وابن الأنباري عنه رضي الله تعالى عنه قال: كنت لا أدري ما فاطر السموات والأرض حتى أتاني أعرابيان يختصمان في بئر فقال أحدهما: أنا فطرتها يقول: أنا ابتدأتها، وهو نعت للجلالة مؤكد للإنكار، وصح وقوعه نعتا للمعرفة لأنه بمعنى الماضي سواء كان كلاما من الله تعالى ابتداء أو محكيا عن الرسول صلى الله عليه وسلم إذ المعتبر زمان الحكم لا زمان التكلم، ويدل على إرادة المضي أنه قرأ الزهري * (فطر) * ولا يضر الفصل بينهما بالجملة لأنها ليست بأجنبية إذ هي عاملة في عامل الموصوف، وقيل: بدل من الاسم الجليل، ورجحه أبو حيان بأن الفصل فيه أسهل، وقرىء بالرفع والنصب على المدح أي هو فاطر أو امدح فاطر، وجوز أن يكون النصب على البدلية من * (وليا) * لا الوصفية لأنه معرفة، نعم يجوز على قراءة الزهري أن تكون الجملة صفة له.
* (وهو يطعم ولا يطعم) * أي يرزق ولا يرزق كما أخرجه ابن جرير وغيره عن السدي، فالمراد من الطعم الرزق بمعناه اللغوي وهو كل ما ينتفع به بدليل وقوعه مقابلا له في قوله تعالى: * (ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون) * (الذاريات: 57) وعبر بالخاص عن العام مجازا لأنه أعظمه وأكثره لشدة الحاجة إليه، ويحتمل أنه اكتفى بذكره عن ذكره لأنه يعلم من ذلك نفي ما سواه فهو حقيقة، والجملة في محل نصب على الحالية، وعن أبي عمرو والأعمش وعكرمة أنهم قرأوا * (ولا يطعم) * بفتح الياء والعين أي ولا يأكل والضمير لله تعالى، ومثله قراءة أبي عبلة بفتح الياء وكسر العين، وقرأ يعقوب بعكس القراءة الأولى أعني بناء الأول للمفعول والثاني للفاعل، والضمير حينئذ في الفعلين لغير الله تعالى أي أتخذ من هو مرزوق غير رازق وليا، والكلام وإن كان مع عبدة الأصنام إلا أنه نظر إلى عموم غير الله تعالى وتغليب أولي العقول كعيسى عليه الصلاة والسلام لأن فيه إنكار أن يصلح الأصنام للألوهية من طريق الأولى، وقد يقال: الكلام كناية عن كونه مخلوقا غير خالق كقوله تعالى: * (لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) * (النحل: 20 والفرقان: 3) ويحمل الفعل على معنى النفع لا يرد شيء رأسا، وقرأ الأشهب * (وهو يطعم ولا يطعم) * ببنائهما للفاعل، ووجهت إما بأن أفعل بمعنى استفعل كما ذكره الأزهري أي وهو يطعم ولا يستطعم أي لا يطلب طعاما ويأخذه من غيره أو بأن المعنى يطعم تارة ولا يطعم أخرى كقوله سبحانه وتعالى * (يقبض ويبسط) * (البقرة: 245) والضميران لله تعالى، ورجوع الضمير الثاني لغير الله تعالى تكلف يحتاج إلى التقدير.
* (قل) * بعد بيان أن اتخاذ غيره تعالى وليا مما يقضي ببطلانه بديهة العقول * (إني أمرت) * من جناب وليي جل شأنه * (أن أكون أول من أسلم) * وجهه لله سبحانه وتعالى مخلصا له لأن النبي عليه الصلاة والسلام مأمور بما شرعه إلا ما كان من خصائصه عليه الصلاة والسلام وهو إمام أمته ومقتداهم وينبغي لكل آمر أن يكون هو العامل أولا بما أمر به ليكون أدعى للامتثال، ومن ذلك ما حكى الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام * (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) * (الأعراف: 143).
وقيل: إن ما ذكر للتحريض كما يأمر الملك رعيته بأمر ثم يقول وأنا أول: من يفعل ذلك ليحملهم على الامتثال وإلا فلم يصدر عنه صلى الله عليه وسلم امتناع عن ذلك حتى يؤمر به وفيه نظر.
* (ولا تكونن من المشركين) * أي في أمر من أمور الدين، وفي الكلام قول مقدر أي وقيل لي: لا تكونن، فالواو من الحكاية عاطفة للقول المقدر على * (أمرت) *، وحاصل المعنى إني أمرت بالإسلام ونهيت عن الشرك، وقيل: إنه معطوف على مقول * (قل) * على المعنى إذ هو في معنى قل إني قيل لي كن أول مسلم ولا تكونن فالواو من المحكي، وقيل: إنه عطف على * (قل) *