تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١١٨
مع اختصاص الموجود بإطلاق الشيء دون اللاشيء. وإنكار أهل اللغة على من يقول: الموجود ليس بشيء لكونه سلبا للأعم عن الأخص وهو لا يصح لا لكونهما مترادفين أو متساويين. وقد أطلق على المعدوم الخارجي كتابا وسنة فقد قال الله تعالى: * (ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله) * (الكهف: 23، 24) وقال سبحانه: * (إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون) * (النحل: 40).
وأخرج الطبراني عن أم سلمة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله رجل فقال: " إني لأحدث نفسي بالشيء لو تكلمت به لأحبطت أجري يقول: لا يلقى ذلك الكلام إلا مؤمن " ونحوه عن معاذ بن جبل والأصل في الإطلاق الحقيقة فلا يعدل عنها إلا إذا وجد صارف وشيوع الاستعمال لا يصلح أن يكون صارفا بعد صحة النقل عن سيبويه. ولعل سبب ذلك الشيوع أن تعلق الغرض في المحاورات بأحوال الموجودات أكثر لا لاختصاص الشيء بالموجود لغة.
وقوله تعالى: * (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) * (مريم: 9) إنما يلزم منه نفي إطلاقه بطريق الحقيقة على المعدوم وهو يضرنا لو كان المدعى تخصيص إطلاق الشيء لغة بالمعدوم وليس كذلك، فإن التحقيق عندنا أن الشيء بمعنى المشيء العلم به والإخبار عنه وهو مفهوم كلي يصدق على الموجود والمعدوم الواجب والممكن وتخصيص إطلاقه ببعض أفراده عند قيام قرينة لا ينافي شموله لجميع أفراده حقيقة لغوية عند انتفاء قرينة مخصصة وإلا لكان شموله للمعدوم والموجود معا في قوله تعالى: * (والله بكل شيء عليم) * (الحجرات: 16) جمعا بين الحقيقة والمجاز وهي مسألة خلافية ولا خلاف في الاستدلال على عموم تعلق علمه تعالى بالأشياء مطلقا بهذه الآية فهو دليل على أن شموله للمعدوم والموجود معا حقيقة لغوية، وذكر بعض الأجلة بعد زعمه اختصاص الشيء بالموجود أنه في الأصل مصدر استعمل بمعنى شاء أو مشيء فإن كان بمعنى شاء صح إطلاقه عليه تعالى وإلا فلا وأنت تعلم أنه على ما ذكرنا من التحقيق لا مانع من إطلاق الشيء عليه تعالى من غير حاجة إلى هذا التفصيل لأنه بمعنى المشيء العلم به والإخبار عنه فيكون إطلاق الشيء بهذا المعنى عليه عز وجل كإطلاق المعلوم مثلا، ومعنى * (أكبر شهادة) * أعظم وأصدق.
* (قل الله) * أمر له صلى الله عليه وسلم أن يتولى الجواب بنفسه هو عليه الصلاة والسلام لما مر قريبا. والاسم الجليل مبتدأ محذوف الخبر أي الله أكبر شهادة، وجوز العكس. ومذهب سيبويه أنه إذا كانت النكرة اسم استفهام أو أفعل تفضيل تقع مبتدأ يخبر عنه بمعرفة، وقوله سبحانه: * (شهيد) * خبر مبتدأ محذوف أي هو سبحانه شهيد * (بيني وبينكم) * فهو ابتداء كلام، وجوز أن يكون خبر * (الله) * والمجموع على ما ذهب إليه الزمخشري هو الجواب لدلالته على أن الله عز وجل إذا كان هو الشهيد بينه وبينهم فأكبر شيء شهادة شهيد له، ونقل في " الكشف " أنه إن جعل تمام الجواب عند قوله سبحانه: * (الله) * فهو للتسلق من إثبات التوحيد إلى إثبات النبوة بأن هذا الشاهد الذي لا أصدق منه شهد لي بإيحاء هذا القرآن. وإن جعل الكلام بمجموعه الجواب فهو من الأسلوب الحكيم لأن الوهم لا يذهب إلى أن هذا الشاهد يحتمل أن يكون غيره تعالى بل الكلام في أنه يشهد لنبوته أولا فليفهم.
* (وأوحي إلي) * من قبله تعالى * (هذا القرآن) * العظيم الشاهد بصحة رسالتي * (لأنذركم به) * بما فيه من الوعيد. واكتفى بذكر الإنذار عن ذكر البشارة لأنه
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»