تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٧ - الصفحة ١٢٤
عنه الجملة السابقة حاروا ودهشوا فلم يستطيعوا الجواب إلا بعد زمان. ومما ينبىء على دهشتهم وحيرتهم أنهم كذبوا وحلفوا في كلامهم هذا ولو لم يكونوا حيارى مدهوشين لما قالوا الذي قالوا لأن الحقائق تنكشف يوم القيامة فإذا اطلع أهلها عليها وعلى أنها لا تخفى عليه سبحانه وأنه لا منفعة لهم في مثل ذلك استحال صدوره عنهم.
وللغفلة عن بناء الأمر عن الدهشة والحيرة منع الجبائي والقاضي ومن وافقهما جواز الكذب على أهل القيامة مستدلين بما ذكرنا. وأجابوا عن الآية بأن المعنى ما كنا مشركين في اعتقادنا وظنوننا وذلك لأنهم كانوا يعتقدون في أنفسهم أنهم موحدون متباعدون عن الشرك. واعترضوا على أنفسهم بأنهم على هذا التقدير يكونون صادقين فيما أخبروا [بم فلم قال سبحانه:
* (انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) *.
* (أنظر كيف كذبوا) * أي في قولهم * (ما كنا مشركين) * (الأنعام: 23) وأجابوا بأنه ليس المراد أنهم كذبوا في الآخرة بل المراد: أنظر كيف كذبوا * (على أنفسهم) * في الدنيا. ورد بان الآية لا تدل على هذا المعنى بوجه ولا تنطبق عليه لأنها في شأن خسرهم وأمرهم في الآخرة لا في الدنيا بل تنبو عنه أشد نبو لأن أول النظم الكريم وآخره في ذلك فتخلل بيان حالهم في الدنيا تفكيك له وتعسف جدا. ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور أيضا قوله تعالص: * (يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون) * (المجادة: 18) بعد قوله سبحانه: * (ويحلفون على الكذب وهم يعلمون) * (المجادلة: 14) حيث شبه كذبهم في الآخرة بكذبهم في الدنيا، ويشير إلى هذا التشبيه أيضا الأمر بالنظر كما لا يخفى على من نظر.
وذكر ابن المنير " أن في الآية دليلا بينا على أن الإخبار بالشيء على خلاف ما هو به كذب وإن لم يعلم المخبر مخالفة خبره لمخبره ألا تراه سبحانه جعل إخبارهم وتبرأهم كذبا مع أنه جل شأنه أخبر عنهم بقوله تعالى: * (وضل عنهم ما كانوا يفترون) * أي سلبوا علمه حينئذ دهشا وحيرة فلم يرفع ذلك إطلاق الكذب عليهم "، وأنت تعلم أن تفسير هذه الجملة بما ذكر غير ظاهر. والمروي عن الحسن أن * (ما) * موصولة والمراد بها الأصنام التي كانوا يعبدونها ويقولون فيها: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * (يونس: 18) أو نحو ذلك. وإيقاع الافتراء عليها مع أنه في الحقيقة واقع على أحوالها للمبالغة في أمرها كأنها نفس المفتري أي زالت وذهبت عنهم أوثانهم التي يفترون فيها ما يفترون فلم تغن عنهم من الله شيئا، وقيل: إن * (ما) * مصدرية أي ضل افترائهم كقوله سبحانه: * (ضل سعيهم) * (الكهف: 104) أي لم ينفعهم ذلك. والجملة قيل: مستأنفة، وقيل: - واختاره شيخ الإسلام - إنها عطف على * (كذبوا) * داخل معه في حكم التعجب إذ الاستفهام السابق المعلق لأنظر لذلك. وجعل المعنى على احتمال الموصول والمصدرية أنظر كيف كذبوا باليمين الفاجرة المغلظة على أنفسهم بإنكار صدور ما صدر عنهم وكيف ضل عنهم أي زال وذهب افتراؤهم أو ما كانوا يفترونه من الإشراك حتى نفوا صدوره عنهم بالكلية وتبرؤوا (منه) بالمرة.
* (ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفىءاذانهم وقرا وإن يروا كل ءاية لا يؤمنوا بها حتى إذا جآءوك يج‍ادلونك يقول الذين كفروا إن ه‍اذآ إلا أس‍اطير الاولين) *.
* (ومنهم من يستمع إليك) * كلام (مبتدأ) (1) مسوق لحكاية ما صدر في الدنيا عن بعض المشركين من أحكام الكفر ثم بيان ما سيصدر عنهم يوم الحشر تقريرا لما قبله وتحقيقا لمضمونه. وضمير * (منهم) * للذين أشركوا. والاستماع بمعنى الإصغاء وهو لازم يعدى باللام وإلى كما صرح به أهل اللغة، وقيل: إنه مضمن معنى الإصغاء ومفعوله مقدر وهو القرآن. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في رواية أبي صالح: إن أبا سفيان بن حرب والوليد بن المغيرة والنضر بن الحرث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة وأمية وأبيا بن خلف استمعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 129 ... » »»