تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٧
وقرأ الأعمش أيضا * (عبد) * بضم العين وتشديد الباء المفتوحة وفتح الدال وجر * (الطاغوت) * جمع عابد وعبد - كحطم وزفر - منصوبا مضافا للطاغوت مفردا وقرأ ابن مسعود أيضا * (عبد) * بضم العين وفتح الباء المشددة وفتح الدال، ونصب * (الطاغوت) * على حد: ولا ذاكر الله إلا قليلا بنصب الاسم الجليل، وقرىء - وعابد الشيطان - بنصب عابد، وجر الشيطان بدل الطاغوت، وهو تفسير عند بعض لا قراءة. وقرىء - عباد - كجهال - وعباد - كرجال جمع عابد أو عبد، وفيه إضافة العباد لغير الله تعالى وقد منعه بعضهم، وقرىء - عابد - بالرفع على أنه خبر مبتدأ مقدر، وجر * (الطاغوت) *، وقرىء - عابدوا - بالجمع والإضافة، وقرىء (عابد) منصوبا، وقرىء * (عبد الطاغوت) * بفتحات مضافا على أن أصله عبدة ككفرة فحذفت تاؤه للإضافة كقوله: وأخلفوك عدا الأمر الذي وعدوا أي عدته كإقام الصلاة، أو هو جمع أو اسم جمع لعابد - كخادم وخدم - وقرىء - أعبد - كأكلب، وعبيد جمع أو اسم جمع، وعابدي جمع بالياء، وقرأ ابن مسعود أيضا - ومن عبدوا - * (أول‍ئك) * أي الموصوفون بتلك القبائح والفضائح وهو مبتدأ، وقوله سبحانه: * (شر) * خبره، وقوله تعالى: * (مكانا) * تمييز محول عن الفاعل، وإثبات الشرارة لمكانهم ليكون أبلغ في الدلالة على شرارتهم، فقد صرحوا أن إثبات الشرارة لمكان الشيء كناية عن إثباتها له كقولهم: سلام على المجلس العالي والمجد بين برديه، فكأن شرهم أثر في مكانهم، أو عظم حتى صار مجسما. وجوز أن يكون الإسناد مجازيا كجري النهر، وقيل: يجوز أن يكون المكان بمعنى محل الكون والقرار الذي يكون أمرهم إلى التمكن فيه أي شر منصرفا، والمراد به جهنم وبئس المصير، والجملة مستأنفة مسوقة منه تعالى شهادة عليهم بكمال الشرارة والضلال، وداخلة تحت الأمر تأكيدا للإلزام وتشديدا للتبكيت، وجعلها - جوابا للسؤال الناشىء من الجملة الاستفهامية ليستقيم احتمال البدلية السابق - مما لا يكاد يستقيم.
* (وأضل عن سوآء السبيل) * أي أكثر ضلالا عن طريق الحق المعتدل، وهو دين الإسلام والحنيفية، وهو عطف على * (شر) * مقرر له، وفيه دلالة على كون دينهم شرا محضا بعيدا عن الحق لأن ما يسلكونه من الطريق دينهم، فإذا كانوا أضل كان دينهم ضلالا مبينا لا غاية وراءه، والمقصود من صيغتي التفضيل الزيادة مطلقا من غير نظر إلى مشاركة غير في ذلك، وقيل: للتفضيل على زعمهم، وقيل: إنه بالنسبة إلى غيرهم من الكفار. وقال بعضهم: لا مانع أن يقال: إن مكانهم في الآخرة شر من مكان المؤمنين في الدنيا لما لحقهم فيه من مكاره الدهر وسماع الأذى والهضم من جانب أعدائهم..
* (وإذا جآءوكم قالوا ءامنا وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به والله أعلم بما كانوا يكتمون) *.
وإذا جاءوكم قالوا ءامنا) * نزلت - كما قال قتادة والسدى - في ناس من اليهود كانوا يدخلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيظهرون له الإيمان والرضا بما جاء به نفاقا، فالخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، والجمع للتعظيم، أو له عليه الصلاة وللسلام مع من عنده من أصحابه رضي الله تعالى عنهم أي إذا جاءوكم أظهروا لكم الإسلام. * (وقد دخلوا بالكفر وهم قد خرجوا به) * أي يخرجون من عندك كما دخلوا لم ينتفعوا بحضورهم بين يديك ولم يؤثر فيهم ما سمعوا منك، والجملتان في موضع الحال من ضمير * (قالوا) * على الأظهر. وجوز أبو البقاء أن يكونا حالين من الضمير في * (آمنا) *، وباء بالكفر، و * (به) * للملابسة، والجار والمجرور
(١٧٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 ... » »»