تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٢
أي المشركين، وقد ورد بهذا المعنى في مواضع من القرآن وخصوا به لتضاعف كفرهم، وهو عطف على الموصول الأول، وعليه لا تصريح باستهزائهم هنا، وإن أثبت لهم في آية * (إنا كفيناك المستهزئين) * (الحجر: 95) إذ المراد بهم مشركو العرب، ولا يكون النهي حينئذ بالنظر إليهم معللا بالاستهزاء بل نهوا عن موالاتهم ابتداءا، وقرأ الكسائي وأهل البصرة * (والكفار) * بالجر عطفا على الموصول الأخير، ويعضد ذلك قراءة أبي - ومن الكفار - وقراءة عبد الله - ومن الذين أشركوا - فهم أيضا من جملة المستهزئين صريحا، وقوله تعالى: * (أولياء) * مفعول ثان - للاتتخذوا - والمراد جانبوهم كل المجانبة * (واتقوا الله) * في ذلك بترك موالاتهم، أو بترك المناهي على الإطلاق فيدخل فيه ترك موالاتهم دخولا أوليا * (إن كنتم مؤمنين) * حقا فإن قضية الإيمان توجب الاتقاء لا محالة..
* (وإذا ن‍اديتم إلى الصلواة اتخذوها هزوا ولعبا ذالك بأنهم قوم لا يعقلون) *.
* (وإذا ناديتم) * أي دعا بعضكم بعضا * (إلى الصلواة اتخذوها) * أي الصلاة، أو المناداة إليها * (هزوا ولعبا) *. أخرج البيهقي في " الدلائل " من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى بالصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا، فإذا رأوهم ركعا وسجدا استهزأوا بهم وضحكوا منهم، وأخرج ابن جرير وغيره عن السدي قال: كان رجل من النصارى بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي - أشهد أن محمدا رسول الله - قال: (حرق) الكاذب، فدخلت خادمه ذات ليلة بنار وهو نائم وأهله نيام فسقطت شرارة فأحرقت البيت وأحرق هو وأهله، والكلام مسوق لبيان استهزائهم بحكم خاص من أحكام الدين بعد بيان استهزائهم بالدين على الإطلاق إظهارا لكمال شقاوتهم * (ذالك) * أي الاتخاذ المذكور * (بأنهم) * أي بسبب أنهم * (قوم لا يعقلون) * فإن السفه يؤدي إلى الجهل بمحاسن الحق والهزء به، ولو كان لهم عقل في الجملة لما اجترأوا على تلك العظيمة.
قيل: وفي الآية دليل على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده، واعترض بأن قوله سبحانه: * (وإذا ناديتم) * لا يدل على الأذان اللهم إلا أن يقال: حيث ورد بعد ثبوته كان إشارة إليه فيكون تقريرا له، قال في " الكشف " أقول فيه: إن اتخاذ المناداة هزؤا منكر من المناكير لأنها من معروفات الشرع، فمن هذه الحيثية دل على أن المناداة التي كانوا عليها حق مشروع منه تعالى، وهو المراد بثبوته بالنص بعد أن ثبت ابتداءا بالسنة ومنام عبد الله بن زيد الأنصاري الحديث بطوله، ولا ينافيه أن ذلك كان أول ما قدموا المدينة، والمائدة من آخر القرآن نزولا، وقوله: لا بالمنام وحده ليس فيه ما يدل على أن السنة غير مستقلة في الدلالة لأن الأدلة الشرعية معرفات وأمارات لا مؤثرات وموجبات؛ وترادف المعرفات لا ينكر انتهى، ولأبي حيان في هذا المقام كلام لا ينبغي أن يلتفت إليه لما فيه من المكابرة الظاهرة، وسمي الأذان مناداة لقول المؤذن فيه: حي على الصلاة حي على الفلاح..
* (قل ي‍اأهل الكت‍ابهل تنقمون منآ إلا أن ءامنا بالله ومآ أنزل إلينا ومآ أنزل من قبل وأن أكثركم فاسقون) *.
* (قل يا أهل الكت‍اب) * أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم بطريق تلوين الخطاب بعد نهي المؤمنين عن تولي المستهزئين بأن يخاطبهم ويبين أن الدين منزه عما يصحح صدور ما صدر منهم من الاستهزاء ويظهر لهم سبب ما ارتكبوه ويلقمهم الحجر، ووصفوا بأهلية الكتاب تمهيدا لما سيذكر سبحانه من تبكيتهم وإلزامهم بكفرهم بكتابهم أي قل يا محمد لأولئك الفجرة * (هل تنقمون منا) * أي هل تنكرون وتعيبون منا، وهو من نقم منه كذا إذا أنكره وكرهه من حد ضرب، وقرأ الحسن * (تنقمون) *
(١٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 167 168 169 170 171 172 173 174 175 176 177 ... » »»