تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٦٦
النفس أفعالها، وفسق النصارى خروجهم عن حكم تجليات الصفات الحقانية برؤية النفس صفاتها، والفسق الذي يعتري بعض هذه الأمة الالتفات إلى ذواتهم والخروج عن حكم الوحدة الذاتية * (أفحكم الجاهلية يبغون) * (المائدة: 50) وهو الحكم الصادر عن مقام النفس بالجهل لا عن علم إلهي * (يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه) * الحق فيحتجب ببعض الحجب * (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم) * في الأزل لا لعلة * (ويحبونه) * كذلك ومرجع المحبة التي لا تتغير عند الصوفية الذات دون الصفات كما قاله الواسطي، وطعن فيه - كما قدمنا - الزمخشري، وحيث أحبهم - ولم يكونوا إلا في العلم - كان المحب والمحبوب واحدا في عين الجمع. وقال السلمي: إنهم بفضل حبه لهم أحبوه وإلا فمن أين لهم المحبة لله تعالى وما للتراب ورب الأرباب؟! وشرط الحب - كما قال - أن يلحقه سكرات المحبة، وإلا فليس بحب حقيقة، وقالت أعرابية في صفة الحب: خفي أن يرى وجل أن يخفى فهو كامن ككمون النار في الحجر إن قدحته أورى وإن تركته توارى وإن لم يكن شعبة من الجنون فهو عصارة السحر، وهذا شأن حب الحادث فكيف شأن حب القديم جل شأنه، والكلام في ذلك طويل * (أذلة على المؤمنين) * لمكان الجنسية الذاتية ورابطة المحبة الأزلية والمناسبة الفطرية بينهم * (أعزة على الكافرين) * المحجوبين لضد ما ذكر * (يجاهدون في سبيل الله) * بمحو صفاتهم وإفناء ذواتهم التي هي حجب المشاهدة * (ولا يخافون لومة لائم) * لفرط حبهم الذي هو الرشاد الأعظم للمتصف به:
وإذا الفتى عرف الرشاد لنفسه * هانت عليه ملامة العزال بل إذا صدقت المحبة التذ المحب بالملامة كما قيل: أجد الملامة في هواك لذيذة * حبا لذكرك فليلمني اللوم * (ذلك فضل الله) * الذي لا يدرك شأواه * (يؤتيه من يشاء) * من عباده الذين سبقت لهم العناية الإلهية * (والله واسع) * الفضل * (عليم) * (المائدة: 54) حيث يجعل فضله، نسأل الله تعالى أن يمن علينا بفضله الواسع وجوده الذي ليس له مانع..
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا الذين يقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة وهم راكعون) *.
ثم إنه سبحانه لما قال: * (لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء) * (المائدة: 51) وعلله بما علله، ذكر عقب ذلك من هو حقيق بالموالاة بطريق القصر، فقال عز وجل:
* (إنما وليكم الله ورسوله والذين ءامنوا) * فكأنه قيل: لا تتخذوا أولئك أولياء لأن بعضهم أولياء بعض وليسوا بأوليائكم إنما أولياؤكم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون فاختصوهم بالموالاة ولا تتخطوهم إلى الغير، وأفرد الولي مع تعدده ليفيد كما قيل: أن الولاية لله تعالى بالأصالة وللرسول عليه الصلاة والسلام والمؤمنين بالتبع، فيكون التقدير إنما وليكم الله سبحانه وكذلك رسوله صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا، فيكون في الكلام أصل وتبع لا أن وليكم مفرد استعمل استعمال الجمع كما ظن صاحب " الفرائد "؛ فاعترض بأن ما ذكر بعيد عن قاعدة الكلام لما فيه من جعل ما لا يستوي الواحد والجمع جمعا، ثم قال: ويمكن أن يقال: التقدير إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا أولياؤكم فحذف الخبر لدلالة السابق عليه، وفائدة الفصل في الخبر هي التنبيه على أن كونهم أولياء بعد كونه سبحانه وليا، ثم بجعله إياهم أولياء، ففي الحقيقة هو الولي انتهى. ولا يخفى على المتأمل أن المآل متحد والمورد واحد، ومما تقرر يعلم أن قول الحلبي ويحتمل وجها آخر وهو أن وليا زنة فعيل، وقد نص أهل اللسان أنه يقع للواحد والاثنين والجمع تذكيرا وتأنيثا بلفظ واحد - كصديق - غير واقع موقعه لأن الكلام في سر بياني وهو نكتة العدول من لفظ إلى لفظ، ولا يرد على ما قدمنا أنه لو كان التقدير كذلك لنا في حصر الولاية في الله تعالى ثم إثباتها للرسول صلى الله عليه وسلم
(١٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 161 162 163 164 165 166 167 168 169 170 171 ... » »»