تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٩
* (كثيرا) * الموصوف بالجار والمجرور، وقيل: مفعول ثان - لترى - والمسارعة مبادرة الشيء بسرعة، وإيثار * (في) * على إلى للإشارة إلى تمكنهم فيما يسارعون إليه تمكن المظروف في ظرفه وإحاطته بأعمالهم، وقد مرت الإشارة إلى ذلك. والمراد بالإثم الحرام، وقيل: الكذب مطلقا، وقيل: الكذب بقولهم: * (آمنا) * (المائدة: 61) لأنه إما إخبار أو إنشاء متضمن الإخبار بحصول صفة الإيمان لهم، واستدل على التخصيص بقوله تعالى الآتي: * (عن قولهم الإثم) * (المائدة: 63)، وأنت تعلم أنه لا يقتضيه، وقيل: المراد به الكفر، وروي ذلك عن السدي، ولعل الداعي لتخصيصه به كونه الفرد الكامل، والمراد من العدوان: الظلم أو مجاوزة الحد في المعاصي، وقيل: الإثم ما يختص بهم، والعدوان ما يتعدى إلى غيرهم، والكلام مسوق لوصفهم بسوء الأعمال بعد وصفهم لسوء الاعتقاد * (وأكلهم السحت) * أي الحرام مطلقا، وقال الحسن: الرشوة في الحكم والتنصيص على ذلك بالذكر مع اندراجه في المتقدم للمبالغة في التقبيح.
* (لبئس ما كانوا يعملون) * أي لبئس شيئا يعملونه هذه الأمور - فما - نكرة موصوفة وقعت تمييزا لضمير الفاعل المستتر في - بئس - والمخصوص بالذم محذوف كما أشرنا إليه، وجوز جعل * (ما) * موصولة فاعل - بئس - والجمع بين صيغتي الماضي والمستقبل للدلالة على الاستمرار..
* (لولا ينهاهم الربانيون والاحبار عن قولهم الإثم وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يصنعون) *.
* (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار) * قال الحسن: الربانيون علماء الإنجيل والأحبار علماء التوراة، وقال غيره: كلهم في اليهود لأنه يتصل بذكرهم، و * (لولا) * الداخلة على المضارع - كما قرره ابن الحاجب وغيره - للتحضيض، والداخلة على الماضي للتوبيخ، والمراد هنا تحضيض الذين يقتدي بهم أفناؤهم، ويعلمون قباحة ما هم فيه وسوء مغبته على نهي أسافلهم. * (عن قولهم الاثم وأكلهم السحت) * مع علمهم بقبحهما واطلاعهم على مباشرتهم لهما، وفي " البحر " إن هذا التحضيض يتضمن توبيخهم على السكوت وترك النهي.
* (لبئس ما كانوا يصنعون) * الكلام فيه كالكلام السابق في نظيره خلا أن هذا أبلغ مما تقدم في حق العامة لما تقرر في اللغة والاستعمال أن الفعل ما صدر عن الحيوان مطلقا، فإن كان عن قصد سمي عملا ثم إن حصل بمزاولة وتكرر حتى رسخ وصار ملكة له سمي صنعا وصنعة وصناعة، فلذا كان الصنع أبلغ لاقتضائه الرسوخ، ولذا يقال للحاذق: صانع، وللثوب الجيد النسج: صنيع - كما قاله الراغب - ففي الآية إشارة إلى أن ترك النهي أقبح من الارتكاب، ووجهه بأن المرتكب له في المعصية لذة وقضاء وطر بخلاف المقر له، ولذا ورد إن جرم الديوث أعظم من الزانيين.
واستشكل ذلك بأنه يلزم عليه أن ترك النهي عن الزنا والقتل أشد إثما منهما وهو بعيد، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون إثم ترك النهي ممن يؤثر نهيه كف المنهي عن فعل المنهي عنه أشد من إثم المرتكب كيفما كان مرتكبه قتلا أو زنا أو غيرهما، وقال الشهاب: إن قيد الأشدية يختلف بالاعتبار، فكونه أشد باعتبار ارتكاب ما لا فائدة له فيه لا ينافي كون المباشرة أكثر إثما منه فتأمل، وفي الآية - مما ينعى على العلماء توانيهم في النهي عن المنكرات - ما لا يخفى، ومن هنا قال الضحاك: ما أخوفني من هذه الآية، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: ما في القرآن آية أشد توبيخا من هذه الآية، وقرىء (لولا ينهاهم الربانيون والأحبار عن قولهم العدوان وأكلهم السحت لبئس ما كانوا يعملون)..
* (وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشآء وليزيدن كثيرا منهم مآ أنزل إليك من ربك طغي‍انا وكفرا وألقينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القي‍امة كلمآ أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله ويسعون فى الارض فسادا والله لا يحب المفسدين) *.
* (وقالت اليهود) * عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وعكرمة والضحاك قالوا: إن الله تعالى قد بسط لليهود الرزق فلما عصوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»