تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٧٦
وأنت تعلم أن كون هذا الوصف أصلا غير ظاهر على ما ذهب إليه الجبائي، وأن كون الاتصاف - باللعن والغضب مما لا سبيل لهم إلى الجحود بة - في حيز المنع، كيف وهم يقولون: * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * (المائدة: 18) إلا أن يقال: إن الآثار المترتبة على ذلك الدالة عليه في غاية الظهور بحيث يكون إنكار مدلولها مكابرة، وقيل: قدم وصفي اللعن والغضب لأنهما صريحان في أن القوم منقومون، ومشيران إلى أن ذلك الأمر عظيم؛ وعقبهما بالجعل المذكور ليكون كالاستدلال على ذلك، وأردفه بعبادة الطاغوت الدالة على شرية دينهم أتم دلالة ليتمكن في الذهن أتم تمكن لتقدم ما يشير إليها إجمالا، وهذا أيضا غير ظاهر على مذهب الجبائي، ولعل رعايته غير لازمة لانحطاط درجته في هذا المقام، والظاهر من عبارة شيخ الإسلام أنه بنى كلامه على هذا المذهب حيث قال بعدما قال: والمراد من الطاغوت العجل، وقيل: الكهنة وكل من أطاعوه في معصية الله تعالى، فيعم الحكم دين النصارى أيضا، ويتضح وجه تأخير عبادته عن العقوبات المذكورة إذ لو قدمت عليها لزم اشتراط الفريقين في تلك العقوبات انتهى، فتدبر حقه.
وفي الآية كما قال جمع: عدة قراآت اثنتان من السبعة وما عداهما شاذ، فقرأ الجمهور غير حمزة * (عبد) * على صيغة الماضي المعلوم، والطاغوت بالنصب وهي القراءة التي بني التفسير عليها، وقرأ حمزة * (وعبد الطاغوت) * بفتح العين وضم الباء وفتح الدال وخفض الطاغوت على أن عبد واحد مراد به الجنس وليس بجمع لأنه لم يسمع مثله في أبنيته بل هو صيغة مبالغة، ولذا قال الزمخشري: " معناه الغلو في العبودية، وأنشد عليه قول طرفة: أبني لبيني إن أمكم * أمة وإن أباكم عبد " أراد عبدا، وقد ذكر مثله ابن الأنباري والزجاج فقالا: ضمت الباء للمبالغة كقولهم للفطن والحذر: فطن وحذر، بضم العين، فطعن أبي عبيدة والفراء في هذه القراءة، ونسبة قارئها إلى الوهم وهم، والنصب بالعطف على القردة والخنازير وقرىء * (وعبد) * بفتح العين وضم الباء وكسر الدال وجر الطاغوت بالإضافة، والعطف على - من - بناءا على أنه مجرور بتقدير المضاف، أو البدلية على ما قيل، ولم يرتض.
وقرأ أبي (عبدوا) بضمير الجمع العائد على من باعتبار معناها، والعطف مثله في قراءة الجمهور، وقرأ الحسن - عباد - جمع عبد وعبد بالإفراد بجر * (الطاغوت) * ونصبه، والجر بالإضافة، والنصب إما على أن الأصل * (عبد) * بفتح الباء، أو * (عبد) * بالتنوين فحذف كقوله: ولا ذاكرا الله إلا قليلا بنصب الاسم الجليل والعطف ظاهر، وقرأ الأعمش والنخعي وأبان * (عبد) * على صيغة الماضي المجهول مع رفع * (الطاغوت) * على أنه نائب الفاعل، والعطف على صلة - من - وعائد الموصول محذوف أي: عبد فيهم أو بينهم وقرأ بعض كذلك إلا أنه أنث، فقرأ - عبدت - بتاء التأنيث الساكنة، والطاغوت: يذكر ويؤنث كما مر؛ وأمر العطف والعائد على طرز القراءة قبل.
وقرأ ابن مسعود * (عبد) * بفتح العين وضم الباء وفتح الدال مع رفع الطاغوت على الفاعلية - لعبد - وهو كشرف كأن العبادة صارت سجية له، أو أنه بمعنى صار معبودا كأمر أي صار أميرا، والعائد على الموصول على هذا أيضا محذوف، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما * (عبد) * بضم العين والباء وفتح الدال، وجر * (الطاغوت) * فعن الأخفش أنه جمع عبيد جمع عبد فهو جمع الجمع أو جمع عابد - كشارف وشرف - أوجمع عبد كسقف وسقف أو جمع عباد - ككتاب وكتب - فهو جمع الجمع أيضا مثل ثمار وثمر.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»