تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٢٧
- الذي لا ينكره إلا منافق - مما لا يكاد يسلم، على أنك قد علمت أن الإقسام به عليه الصلاة والسلام على ربه عز شأنه حيا وميتا مما لم يقم النص عليه لا يقال: إن في خبر البخاري دلالة على صحة الإقسام به صلى الله عليه وسلم حيا وكذا بغيره كذلك، أما الأول فلقول عمر رضي الله تعالى عنه فيه: كنا نتوسل بنبيك صلى الله عليه وسلم، وأما الثاني فلقوله: إنا نتوسل بعم نبيك لما قيل: إن هذا التوسل ليس من باب الإقسام بل هو من جنس الاستشفاع، وهو أن يطلب من الشخص الدعاء والشفاعة، ويطلب من الله تعالى أن يقبل دعاءه وشفاعته، ويؤيد ذلك أن العباس كان يدعو وهم يؤمنون لدعائه حتى سقوا، وقد ذكر المجد أن لفظ التوسل بالشخص والتوجه إليه وبه فيه إجمال واشتراك بحسب الاصطلاح، فمعناه في لغة الصحابة أن يطلب منه الدعاء والشفاعة فيكون التوسل والتوجه في الحقيقة بدعائه وشفاعته، وذلك مما لا محذور فيه، وأما في لغة كثير من الناس فمعناه أن يسأل الله تعالى بذلك ويقسم به عليه - وهذا هو محل النزاع - وقد علمت الكلام فيه. وجعل من الإقسام الغير المشروع قول القائل - اللهم أسألك بجاه فلان - فإنه لم يرد عن أحد من السلف أنه دعا كذلك، وقال: إنما يقسم به تعالى وبأسمائه وصفاته فيقال: أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت يا الله، المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم، وأسألك بأنك أنت الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، وأسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك الحديث، ونحو ذلك من الأدعية المأثورة، وما ذكره بعض العامة من قوله صلى الله عليه وسلم: " إذا كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فاسألو الله تعالى بجاهي فإن جاهي عند الله تعالى عظيم " لم يروه أحد من أهل العلم، ولا هو شيء في كتب الحديث، وما رواه القشيري عن معروف الكرخي قدس سره - أنه قال لتلامذته: إن كانت لكم إلى الله تعالى حاجة فأقسموا عليه بي فإني الواسطة بينكم وبينه جل جلاله - الآن لو يوجد له سند يعول عليه عند المحدثين، وأما ما رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في دعاء الخارج إلى الصلاة " اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي هذا فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا رياءا ولا سمعة ولكن خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك أن تنقذني من النار وأن تدخلني الجنة "، ففي سنده العوفي - وفيه ضعف - وعلى تقدير أن يكون من كلام النبي صلى الله عليه وسلم يقال فيه: إن حق السائلين عليه تعالى أن يجيبهم، وحق الماشين في طاعته أن يثيبهم، والحق بمعنى الوعد الثابت المتحقق الوقوع فضلا لا وجوبا كما في قوله تعالى: * (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) * (الروم: 47)، وفي " الصحيح " من حديث معاذ " حق الله تعالى على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وحقهم عليه إن فعلوا ذلك أن لا يعذبهم " فالسؤال حينئذ بالإثابة والإجابة وهما من صفات الله تعالى الفعلية، والسؤال بها مما لا نزاع فيه فيكون هذا السؤال كالاستعاذة في قوله صلى الله عليه وسلم: " أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك " فمتى صحت الاستعاذة بمعافاته صح السؤال بإثابته وإجابته.
وعلى نحو ذلك يخرج سؤال الثلاثة لله عز وجل بأعمالهم، على أن التوسل بالأعمال معناه التسبب بها لحصول المقصود، ولا شك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولا كذلك ذوات الأشخاص أنفسها، والناس قد أفرطوا اليوم في الإقسام على الله تعالى، فأقسموا عليه عز شأنه بمن ليس في العير ولا النفير وليس عنده من الجاه قدر قطمير، وأعظم من ذلك أنهم يطلبون من أصحاب القبور نحو إشفاء المريض وإغناء الفقير ورد الضالة وتيسير كل عسير، وتوحي إليهم شياطينهم خبر - " إذا أعيتكم الأمور " - الخ، وهو حديث مفترى
(١٢٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 ... » »»