تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٣٨
لنا وقوة منكم، فأما إذا قدم محمد صلى الله عليه وسلم فلا نعطيكم ذلك، فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن جعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ففكرت العزيزة فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما وقهرا لهم، فدسوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم من يخبر لكم رأيه فإن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكموه حذرتموه فلم تحكموه، فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليختبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله تعالى رسوله عليه الصلاة والسلام بأمرهم كله وماذا أرادوا فأنزل * (يا أيها الرسول ) * الآية، وعلى هذا يكون أمر التحريف غير ظاهر الدخول في القصة.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في " سننه " عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن أحبار يهود اجتمعوا في بيت المدراس حين قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة - وقد زنى رجل بعد إحصانه بامرأة من يهود وقد أحصنت - فقالوا: ابعثوا بهذا الرجل وبهذه المرأة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فاسألوه كيف الحكم فيهما وولوه الحكم فيهما، فإن عمل فيهما عملكم من التجبية - وهي الجلد بحبل من ليف مطلي بقار - ثم تسود وجوههما، ثم يحملان على حمارين وجوههما من قبل دبر الحمار فاتبعوه، فإنما هو ملك سيد قوم وإن حكم فيهما بغيره فإنه نبي فاحذروه على ما في أيديكم أن يسلبكم إياه، فأتوه فقالوا: يا محمد هذا رجل قد زنى بعد إحصانه بامرأة قد أحصنت فاحكم فيهما فقد وليناك الحكم فيهما؛ فمشى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى أحبارهم في بيت المدراس فقال: " يا معشر يهود أخرجوا إلي علماءكم "؛ فأخرجوا إليه عبد الله بن صوريا وأبا ياسر بن أخطب ووهب بن يهوذا، فقالوا: هؤلاء علماؤنا، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم حصل أمرهم إلى أن قالوا لعبد الله بن صوريا: هذا أعلم من بقي بالتوراة، فخلا به رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان غلاما شابا من أحدثهم سنا - فألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة يقول: " يا ابن صوريا أنشدك الله تعالى وأذكرك أيامه عند بني إسرائيل هل تعلم أن الله تعالى حكم فيمن زنى بعد إحصانه بالرجم في التوراة "؟ فقال: اللهم نعم، أما والله يا أبا القاسم إنهم ليعرفون أنك نبي مرسل ولكنهم يحسدونك، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بهما فرجما عند باب مسجده، ثم كفر بعد ذلك ابن صوريا وجحد نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله تعالى: * (يا أيها الرسول) * الخ.
وأخرج الحميدي في " مسنده ". وأبو داود وابن ماجه عن جابر بن عبد الله أنه قال: " زنى رجل من أهل فدك فكتبوا إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا صلى الله عليه وسلم عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه، فسألوه عن ذلك فقال: ارسلوا إلي أعلم رجلين منكم، فجاؤوا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما: أليس عندكما التوراة فيها حكم الله تعالى؟ قالا: بلى، قال: فأنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام ونجاكم من آل فرعون وأنزل التوراة على موسى عليه السلام وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقال أحدهما للآخر: ما أنشدت بمثله قط قالا: نجد ترداد النظر ريبة والاعتناق ريبة والقبل ريبة، فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدي ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم فهو كذلك فأمر به فرجم.
(١٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 133 134 135 136 137 138 139 140 141 142 143 ... » »»