وحجبه عن نور الهداية * (فأصبح من الخاسرين) * (المائدة: 30) لتضرره باستيلائه على العقل فإن الوهم إذا انقطع عن معاضده العقل حمل النفس على أمور تتضرر منها * (فبعث الله غرابا) * وهو غراب الحرص * (يبحث في الأرض) * أي أرض النفس * (ليريه كيف يوارى سوأة أخيه) * وهو العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب عن عالمه في ظلمات أرض النفس * (قال يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي) * بإخفائها في ظلمة النفس فأنتفع بها * (فأصبح من النادمين) * (المائدة: 31) عند ظهور الخسران وحصول الحرمان * (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا) * (المائدة: 32) لأن الواحد مشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد النوع، وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع في الخارج، ولا اعتبار بالعدد فإن حقيقة النوع لا تزيد بزيادة الأفراد ولا تنقص بنقصها، ويقال في جانب الأحياء مثل ذلك * (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله) * أي أولياءهما * (ويسعون في الأرض فسادا) * بتثبيط السالكين * (أن يقتلوا) * بسيف الخذلان * (أو يصلبوا) * بحبل الهجران على جذع الحرمان * (أو تقطع أيديهم) * عن أذيال الوصال * (وأرجلهم من خلاف) * عن الاختلاف والتردد إلى السالكين * (أو ينفوا من الأرض) * أي أرض القربة والائتلاف فلا يلتفت إليهم السالك ولا يتوجه لهم * (ذلك لهم خزي) * وهوان * (في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم) * (المائدة: 33) لعظم جنايتهم، وقد جاء - أن الله تعالى يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الحرب، ومن آذى وليا فقد آذنته بالمحاربة - نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة..
* (ياأيها الذين ءامنوا اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا فى سبيله لعلكم تفلحون) *.
* (يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله) * لما ذكر سبحانه جزاء المحارب وعظم جنايته - وأشار في تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب - أمر المؤمنين بتقواه عز وجل في كل ما يأتون ويذرون بترك ما يجب اتقاؤه من المعاصي التي من جملتها المحاربة والفساد، وبفعل الطاعة التي من عدادها التوبة والاستغفار ودفع الفساد * (وابتغوا إليه) * أي اطلبوا لأنفسكم إلى ثوابه والزلفى منه * (الوسيلة) * هي فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله عز وجل من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا أي تقرب إليه بشيء، والظرف متعلق بها وقدم عليها للاهتمام وهي صفة لا مصدر حتى يمتنع تقدم معموله عليه، وقيل: متعلق بالفعل قبله، وقيل: بمحذوف وقع حالا منها أي كائنة إليه، ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به كما يشير إليه كلام قتادة، فإنه ملاك الأمر كله. والذريعة لكل خير والمنجاة من كل ضير، والجملة حينئذ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد، وقيل: الجملة الأولى أمر بترك المعاصي، والثانية أمر بفعل الطاعات، وأخرج ابن الأنباري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الوسيلة الحاجة، وأنشد له قول عنترة: إن الرجال لهم إليك (وسيلة) * إن يأخذوك تكحلي وتخضبي وكأن المعنى حينئذ اطلبوا متوجهين إليه حاجتكم فإن بيده عز شأنه مقاليد السموات والأرض ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره فتكونوا كضعيف عاذ بقرملة، وفسر بعضهم - الوسيلة - بمنزلة في الجنة، وكونها بهذا المعنى غير ظاهر لاختصاصها بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بناءا على ما رواه مسلم وغيره " إنها منزلة في الجنة جعلها الله تعالى لعبد من عباده وأرجو أن أكون أنا فاسألوا لي الوسيلة " وكون الطلب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم مما لا يكاد يذهب إليه ذهن سليم، وعليه يمتنع تعلق الظرف بها كما لا يخفى.
واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد والقسم على الله تعالى