تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٢٢
عن الوليد بن مسلم قال: ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا، فقال: سمعت محمد بن عجلان يقول: أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك وعلمه صلى الله عليه وسلم عقوبة مثلهم من القتل والصلب والقطع والنفي، ولم يسمل بعدهم غيرهم، قال: وكان هذا القول ذكره لأبي عمر فأنكر أن تكون نزلت معاتبة، وقال: بل كانت تلك عقوبة أولئك النفر بأعيانهم، ثم نزلت هذه الآية عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم فرفع عنهم السمل. هذا ومن باب الإشارة في الآيات: * (ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء) * أي ألزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم باحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي * (إلى يوم القيامة) * أي إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح، أو القيامة الكبرى بظهور نور التوحيد * (وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) * (المائدة: 14) وذلك عند الموت وظهور الخسران بظهور الهيئات القبيحة المؤذية الراسخة فيهم * (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم) * بحسب الدواعي والمقتضيات * (كثيرا مما كنتم تخفون) * عن الناس في أنفسكم * (من الكتاب ويعفو عن كثير) * إذا لم تدع إليه داعية * (قد جاءكم من الله نور) * أبرزته العناية الإلهية من مكامن العماء * (وكتاب) * (المائدة: 15) خطه قلم الباري في صحائف الإمكان جامعا لكل كمال، وهما إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك وحد الضمير في قوله سبحانه: * (يهدي به الله) * أي بواسطته * (من اتبع رضوانه) * أي من أراد ذلك * (سبل السلام) * وهي الطرق الموصلة إليه عز وجل. وقد قال بعض العارفين: الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم * (ويخرجهم من الظلمات) * وهي ظلمات الشك والاعتراضات النفسانية والخطرات الشيطانية * (إلى النور) * وهو نور الرضا والتسليم * (ويهديهم إلى صراط مستقيم) * (المائدة: 16) وهو طريق الترقي في المقامات العلية، وقد يقال: الجملة الأولى: إشارة إلى توحيد الأفعال، والثانية: إلى توحيد الصفات، والثالثة: إلى توحيد الذات * (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) * فحصروا الألوهية فيه وقيدوا الإله بتعينه - وهو الوجود المطلق - حتى عن قيد الإطلاق * (قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا) * فإن كل ذلك من التعينات والشؤون والله من ورائهم محيط * (ولله ملك السموات والأرض وما بينهما) * أي عالم الأرواح وعالم الأجساد وعالم الصور * (يخلق ما يشاء) * (المائدة: 17) ويظهر ما أراد من الشؤون * (وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه) * فادعوا بنوة الإسرار والقرب من حضرة نور الأنوار، وقد قال ذلك قوم من المتقدمين كما مرت الإشارة إليه، وقال ما يقرب من ذلك بعض المتأخرين، فقال الواسطي: ابن الأزل والأبد لكن هؤلاء القوم لم يعرفوا الحقائق ولم يذوقوا طعم الدقائق فرد الله تعالى دعواهم بقوله سبحانه: * (قل فلم يعذبكم بذنوبكم) * والأبناء والأحباب لا يذنبون فيعذبون، أو لا يمتحنون إذ قد خرجوا من محل الامتحان من حيث الأشباح * (بل أنتم بشر ممن خلق) * كسائر عباد الله تعالى لا امتياز لكم عليهم بشيء كما تزعمون * (يغفر لمن يشاء) * منهم فضلا * (ويعذب من يشاء) * (المائدة: 18) منهم عدلا * (وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا) * بالولاية ومعرفة الصفات، أو بسلطنة الوجد وقوة الحال وعزة علم المعرفة، أو مالكين أنفسكم بمنعها عن غير طاعتي، والملوك عندنا الأحرار من رق الكونين وما فيه * (وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين) * (المائدة: 20) أي عالمي زمانكم، ومنه اجتلاء نور التجلي من وجه موسى عليه السلام * (يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة) * وهي حضرة القلب
(١٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 117 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 ... » »»