رضي الله تعالى عنه: قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا المنافق فجاءوا إليه، فقال: " إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله تعالى " لم يشك في أن الاستغاثة بأصحاب القبور - الذين هم بين سعيد شغله نعيمه وتقلبه في الجنان عن الالتفات إلى ما في هذا العالم، وبين شقي ألهاه عذابه وحبسه في النيران عن إجابة مناديه والإصاخة إلى أهل ناديه - أمر يجب اجتنابه ولا يليق بأرباب العقول ارتكابه، ولا يغرنك أن المستغيث بمخلوق قد تقضى حاجته وتنجح طلبته فإن ذلك ابتلاء وفتنة منه عز وجل، وقد يتمثل الشيطان للمستغيث في صورة الذي استغاث به فيظن أن ذلك كرامة لمن استغاث به، هيهات هيهات إنما هو شيطان أضله وأغواه وزين له هواه، وذلك كما يتكلم الشيطان في الأصنام ليضل عبدتها الطغام، وبعض الجهلة يقول: إن ذلك من تطور روح المستغاث به، أو من ظهور ملك بصورته كرامة له ولقد ساء ما يحكمون، لأن التطور والظهور وإن كانا ممكنين لكن لا في مثل هذه الصورة وعند ارتكاب هذه الجريرة، نسأل الله تعالى بأسمائه أن يعصمنا من ذلك، ونتوسل بلطفه أن يسلك بنا وبكم أحسن المسالك.
* (وجاهدوا في سبيله) * مع أعدائكم بما أمكنكم. * (لعلكم تفلحون) * بنيل نعيم الأبد والخلاص من كل نكد..
* (إن الذين كفروا لو أن لهم ما فى الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم) *.
* (إن الذين كفروا) * كلام مبتدأ مسوق لتأكيد وجوب الامتثال بالأوامر السابقة، وترغيب المؤمنين في المسارعة إلى تحصيل الوسيلة إليه عز شأنه قبل انقضاء أوانه، ببيان استحالة توسل الكفار يوم القيامة بما هو من أقوى الوسائل إلى النجاة من العذاب فضلا عن نيل الثواب * (لو أن لهم) * أي لكل واحد منهم كقوله سبحانه: * (ولو أن لكل نفس ظلمت) * (يونس: 54) الخ، وفيه من تهويل الأمر وتفظيع الحال ما ليس في قولنا لجميعهم * (ما في الأرض) * أي من أصناف أموالها وذخائرها وسائر منافعها قاطبة، وهو اسم * (أن) * و * (لهم) * خبرها ومحلها الرفع (عندهم) خلا أنه عند سيبويه رفع على الابتداء (و) لا حاجة فيه إلى الخبر لاشتمال صلتها على المسند والمسند إليه، وقد اختصت من بين سائر ما يؤول بالاسم بالوقوع بعد * (لو) *، وقيل: الخبر محذوف ويقدر مقدما أو مؤخرا قولان، وعند الزجاج والمبرد والكوفيين رفع على الفاعلية أي لو ثبت (أن) (3) لهم ما في الأرض، وقوله تعالى: * (جميعا) * توكيد للموصول أو حال منه، وقوله سبحانه: * (ومثله) * بالنصب عطف عليه، وقوله عز وجل: * (معه) * ظرف وقع حالا من المعطوف، والضمير راجع إلى الموصول، وفائدته التصريح بفرض كينونتهما لهم بطريق المعية لا بطريق التعاقب تحقيقا لكمال فظاعة الأمر.
واللام في قوله تعالى: * (ليفتدوا به) * متعلقة بما تعلق به خبر * (أن) * وهو الاستقرار المقدر في * (لهم) * وبالخبر المقدر عند من يراه، وبالفعل المقدر بعد * (لو) * عند الزجاج ومن نحا نحوه، قيل: ولا ريب في أن مدار الإفتداء بما ذكر هو كونه لهم لا ثبوت كونه لهم وإن كان مستلزما له، والباء في * (به) * متعلقة بالافتداء، والضمير راجع إلى الموصول * (ومثله معه) * وتوحيده لكونهما بالمعية شيئا واحدا، أو لإجراء الضمير مجرى اسم الإشارة كما مرت الإشارة إلى ذلك، وقيل: هو راجع إلى الموصول، والعائد إلى المعطوف - أعني مثله - مثله، وهو محذوف كما حذف الخبر من قيار في قوله: ومن يك أمسى بالمدينة رحله * فإني وقيار بها لغريب وقد جوز أن يكون نصب، ومثله على أنه مفعول * (معه) * ناصبه الفعل المقدر بعد * (لو) * تفريعا على رأي الزجاج