تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٢٣
* (التي كتب الله لكم) * في القضاء السابق حسب الاستعداد * (ولا ترتدوا على أدباركم) * في الميل إلى مدينة البدن، والإقبال عليه بتحصيل لذاته * (فتنقلبوا خاسرين) * (المائدة: 21) لتفويتكم أنوار القلب وطيباته * (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين) * وهي صفات النفس * (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) * بأن يصرفهم الله تعالى بلا رياضة منا ولا مجاهدة، أو يضعفوا عن الاستيلاء بالطبع * (فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) * (المائدة: 22) حينئذ * (قال رجلان من الذين يخافون) * سوء عاقبة ملازمة الجسم * (أنعم الله عليهما) * بالهداية إلى الصراط السوي - وهما العقل النظري والعقل العملي - * (ادخلوا عليهم الباب) * أي باب قرية القلب - وهو التوكل بتجلي الأفعال - كما أن باب قرية الروح هو الرضا * (فإذا دخلتموه فإنكم غالبون) * بخروجكم عن أفعالكم وحولكم، ويدل على أن الباب هو التوكل قوله تعالى: * (وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) * (المائدة: 23) بالحقيقة وهو الإيمان عن حضور، وأقل درجاته تجلي الأفعال * (قالوا يا موسى إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا) * أولئك الجبارين عنا وأزيلاهم لتخلو لنا الأرض * (إنا ههنا قاعدون) * (المائدة: 24) أي ملازمون مكاننا في مقام النفس معتكفون على الهوى واللذات * (قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض) * (المائدة: 26) أي أرض الطبيعة، وذلك مدة بقائهم في مقام النفس، وكان ينزل عليهم من سماء الروح نور عقد المعاش فينتفعون بضوئه * (واتل عليهم نبأ ابني آدم) * القلب اللذين هما هابيل العقل؛ وقابيل الوهم * (إذ قربا قربانا) * وذلك كما قال بعض العارفين: إن توأمة العقل البوذا العاقلة العملية المدبرة لأمر المعاش والمعاد بالآراء الصالحة المقتضية للأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المستنبطة لأنواع الصناعات والسياسات، وتوأمة الوهم إقليميا القوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية لتحصيل الآراء الشيطانية، فأمر آدم القلب بتزوج الوهم توأمة العقل لتدبره بالرياضات الإذعانية والسياسات الروحانية وتصاحبه بالقياسات العقلية البرهانية فتسخره للعقل، وتزويج لعقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلات الفاسدة وأحاديث النفس الكاذبة ويستعمل فيما ينفع فيستريح أبوها وينتفع، فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب إليه لمناسبتها إياه فأمرا عند ذلك بالقربان، فقربا قربانا * (فتقبل من أحدهما) * وهو هابيل العقل بأن نزلت نار من السماء فأكلته، والمراد بها العقل الفعال النازل من سماء عالم الأرواح، وأكله إفاضته النتيجة على الصورة القياسية التي هي قربان العقل وعمله الذي يتقرب به إلى الله تعالى * (ولم يتقبل من الآخر) * وهو قابيل الوهم إذ يمتنع قبول الصورة الوهمية لأنها لا تطابق ما في نفس الأمر * (قال لأقتلنك) * لمزيد حسده بزيادة قرب العقل من الله تعالى وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته، وقتله إياه إشارة إلى منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الإلهية - الذي به الحياة - عنه بإيراد التشكيكات الوهمية والمعارضات في تحصيل المطالب النظرية * (قال إنما يتقبل الله من المتقين) * (المائدة: 27) الذين يتخذون الله تعالى وقاية، أو يحذرون الهيئات المظلمة البدنية والأهواء المردية والتسويلات المهلكة * (لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك) * أي إني لا أبطل أعمالك التي هي سديدة في مواضعها * (إني أخاف الله رب العالمين) * (المائدة: 28) أي لأني أعرف الله سبحانه فأعلم أنه خلقك لشأن وأوجدك لحكمة، ومن جملة ذلك أن أسباب المعاش لا تحصل إلا بالوهم ولولا الأمل بطل العمل * (إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك) * أي بإثم قتلي وإثم عملك من الآراء الباطلة * (فتكون من أصحاب النار) * وهي نار الحجاب والحرمان * (وذلك جزاء الظالمين) * (المائدة: 29) الواضعين للأشياء في غير موضعها كما وضع الأحكام الحسية موضع المعقولات * (فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله) * بمنعه عن أفعاله الخاصة
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 126 127 128 ... » »»