تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٦
هنا لهذه الأمة وهو خلاف الظاهر جدا ولا يكاد يرتكب مثله في الكتاب المجيد لأن الخطابات السابقة واللاحقة لبني إسرائيل فوجود خطاب في الأثناء لغيرهم مما يخل بالنظم الكريم، وكأن الداعي للقول به ظن لزوم التفضيل مع عدم دافع له سوى ذلك، وقد علمت أنه من بعض الظن..
* (ياقوم ادخلوا الارض المقدسة التى كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدب‍اركم فتنقلبوا خ‍اسرين) *.
* (ي‍اقوم ادخلوا الأرض المقدسة) * كرر النداء مع الإضافة التشريفية اهتماما بشأن الأمر، ومبالغة في حثهم على الامتثال به، والأرض المقدسة هي - ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي. وابن زيد - بيت المقدس، وقال الزجاج: دمشق وفلسطين والأردن، وقال مجاهد هي أرض الطور وما حوله، وعن معاذ بن جبل هي ما بين الفرات وعريش مصر، والتقديس: التطهير، ووصفت تلك الأرض بذلك إما لأنها مطهرة من الشرك حيث جعلت مسكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو لأنها مطهرة من الآفات، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة، أو لأنها طهرت من القحط والجوع، وقيل: سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب.
* (التي كتب الله لكم) * أي قدرها وقسمها لكم، أو كتب في اللوح المحفوظ أنها تكون مسكنا لكم. روي أن الله تعالى أمر الخليل عليه الصلاة والسلام أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره إليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الأرض مدى بصره، وعن قتادة والسدي أن المعنى التي أمركم الله تعالى بدخولها وفرضه عليكم، فالكتب هنا مثله في قوله تعالى: * (كتب عليكم الصيام) * (البقرة: 183) وذهب إلى الاحتمالين الأولين كثير من المفسرين، والكتب على أولهما مجاز، وعلى ثانيهما حقيقة، وقيدوه بإن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعدما عصوا: * (فإنها محرمة عليهم) * (المائدة: 26).
وقوله سبحانه: * (ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خ‍اسرين) * فإن ترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعا، والأدبار جمع دبر وهو ما خلفهم من الأماكن من مصر وغيرها، والجار والمجرور حال من فاعل * (ترتدوا) * أي لا ترجعوا عن مقصدكم منقلبين خوفا من الجبابرة، وجوز أن يتعلق بنفس الفعل، ويحتمل أن يراد بالارتداد صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفا غير محسوس أي لا ترجعوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وإليه ذهب أبو علي الجبائي، وقوله تعالى: * (فتنقلبوا) * إما مجزوم بالعطف وهو الأظهر، وإما منصوب في جواب النهي، قال الشهاب: على أنه من قبيل لا تكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافا للكسائي، وفيه نظر لا يخفى، والمراد بالخسران خسران الدارين..
* (قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون) *.
* (قالوا ي‍اموسى إن فيها قوما جبارين) * شديدي البطش متغلبين لا تتأتى مقاومتهم ولا تجز لهم ناصية، والجبار صيغة مبالغة من جبر الثلاثي على القياس لا من أجبره على خلافه - كالحساس - من الإحساس وهو الذي يقهر الناس ويكرههم كائنا من كان على ما يريده كائنا ما كان، ومعناه في البخل ما فات اليد طولا، وكان هؤلاء القوم من العمالقة بقايا قوم عاد وكانت لهم أجسام ليست لغيرهم، أخرج ابن عبد الحكم في " فتوح مصر " عن ابن حجيرة قال: استظل سبعون رجلا من قوم موسى عليه السلام في قحف رجل من العمالقة، وأخرج البيهقي في " شعب الإيمان " عن زيد بن أسلم قال: بلغني أنه رؤيت ضبع وأولادها رابضة في فجاج عين رجل منهم إلى غير ذلك من الأخبار، وهي عندي كأخبار عوج بن عنق وهي حديث خرافة.
* (وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها) * بقتال غيرنا، أو بسبب يخرجهم الله تعالى به فإنه لا طاقة لنا بإخراجهم منها، وهذا امتناع عن القتال على أتم وجه
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»