تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٩٥
والأقطاب السبعة، والأبدال الأربعين والنجباء الثلثمائة، فهي ليست موجودة في كتاب الله تعالى ولا هي مأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف محتمل إلا لفظ الأبدال، فقد روي فيهم حديث شامي منقطع الإسناد عن علي كرم الله تعالى وجهه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن فيهم - يعني أهل الشام - الأبدال أربعين رجلا كلما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجلا " ولا توجد أيضا في كلام السلف انتهى، وأنا أقول:
وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد * (وقال الله) * تعالى * (إني معكم) * بالتوفيق والإعانة * (لئن أقمتم الصلاة) * وتحليتم بالعبادات البدنية * (وآتيتم الزكاة) * وتخليتم عن الصفات الذميمة من البخل والشح فزهدتم وآثرتم * (وآمنتم برسلي) * جميعهم من العقل والإلهامات والأفكار الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب وإمداد الملكوت * (وعزرتموهم) * أي وعظتموهم بأن سلطتموهم على شياطين الوهم وقويتموهم ومنعتموهم من الوساوس وإلقاء الوهميات والخيالات والخواطر النفسانية * (وأقرضتم الله قرضا حسنا) * بأن تبرأتم من الحول والقوة والعلم والقدرة، وأسندتم كل ذلك إليه عز شأنه، بل ومن الأفعال والصفات جميعها، بل ومن الذات بالمحو والفناء وإسلامها إلى باريها جل وعلا * (لأكفرن عنكم سيآتكم) * التي هي الحجب والموانع لكم * (ولأدخلنكم جنات) * مما عندي * (تجري من تحتها الأنهار) * وهي أنهار علوم التوكل والرضاء والتسليم والتوحيد، وتجليات الأفعال والصفات والذات * (فمن كفر بعد ذلك) * العهد وبعث النقباء منكم * (فقد ضل سواء السبيل) * (المائدة: 12) وهلك مع الهالكين * (فبما نقضهم ميثاقهم) * الذي وثقوه * (لعناهم) * وطردناهم عن الحضرة * (وجعلنا قلوبهم قاسية) * باستيلاء صفات النفس عليها وميلها إلى الأمور الأرضية * (يحرفون الكلم عن مواضعه) * حيث حجبوا عن أنوار الملكوت والجبروت التي هي كلمات الله تعالى واستبدلوا قوى أنفسهم بها واستعملوا وهمياتهم وخيالاتهم بدل حقائقها * (ونسوا حظا) * نصيبا وافرا * (مما ذكروا به) * في العهد اللاحق وهو ما أوتوه في العهد السابق من الكمالات الكامنة في استعداداتهم الموجودة فيها بالقوة * (ولا تزال تطلع على خائنة منهم) * من نقض عهد ومنع أمانة لاستيلاء شيطان النفس عليهم وقساوة قلوبهم * (إلا قليلا منهم) * وهو من جره استعداده إلى ما فيه صلاحه * (فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين) * (المائدة: 13) إلى عباده باللطف والمعاملة الحسنة جعلنا الله تعالى وإياكم من المحسنين.
* (ومن الذين قالوا إنا نص‍ارى أخذنا ميث‍اقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضآء إلى يوم القي‍امة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون) *.
* (ومن الذين قالوا إنا نص‍ارىأخذنا ميث‍اقهم) * شروع في بيان قبائح النصارى وجناياتهم إثر بيان قبائح وجنايات إخوانهم اليهود، و * (من) * متعلقة - بأخذنا -، وتقديم الجار للاهتمام، ولأن ذكر (حال) إحدى الطائفتين مما يوقع في ذهن السامع أن حال الأخرى ماذا؟ كأنه قيل: ومن الطائفة الأخرى أيضا أخذنا ميثاقهم والضمير المجرور راجع إلى الموصول، أو عائد على بني إسرائيل الذين عادت إليهم الضمائر السابقة، وهو نظير قولك: أخذت من زيد ميثاق عمرو أي مثل ميثاقه. وجوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع خبرا لمبتدأ محذوف أيضا، وجملة * (أخذنا) * صفة أي - ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا منهم ميثاقهم - وقيل: المبتدأ المحذوف * (من) * الموصولة، أو الموصوفة، ولا يخفى أن جواز حذف الموصول وإبقاء صلته لم يذهب إليه سوى الكوفيين.
وإنما قال سبحانه: * (قالوا إنا نصارى) * ولم يقل جل وعلا - ومن النصارى - كما هو الظاهر بدون إطناب للإيماء كما قال بعضهم: إلى أنهم على دين النصرانية بزعمهم
(٩٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 ... » »»