تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١١٧
لا يكفي في النصب سببية النفي بل لا بد من سببية المنفي قبل دخول النفي، ألا ترى أن ما تأتينا فتحدثنا مفسر عندهم بأنه لا يكون منك إتيان فتحديث، قال الشهاب: والجواب عنه أنه فرق بين ما نصب في جواب النفي وما نصب في جواب الاستفهام، والكلام في الثاني، فكيف يرد الأول نقضا، ولو جعل في جواب النفي لم يرد ما ذكره أيضا لأنه لا حاجة إلى أخذ النفي من الاستفهام الإنكاري مع وضوح تأويل - عجزت - بلم اهتد، وقد قال في التسهيل: إنه ينتصب في جواب النفي الصريح والمؤول، وما نحن فيه من الثاني حكمه فتأمل انتهى.
ولعل الأمر بالتأمل الإشارة إن ما في دعوى الفرق بين الاستفهام الإنكاري الذي هو بمعنى النفي، والنفي من الخفاء، وكذا في تأويل - عجزت - بلم أهتد هنا فليفهم، وقرىء * (أعجزت) * بكسر الجيم وهو لغة شاذة في عجز، وقرىء - فأواري - بالسكون على أنه مستأنف وهم يقدرون المبتدأ لإيضاح القطع عن العطف، أو معطوف إلا أنه سكن للتخفيف كما قاله غير واحد، واعترضه في " البحر " * (بأن الفتحة لا تستثقل حتى تحذف تخفيفا، وتسكين المنصوب عند النحويين ليس بلغة كما زعم ابن عطية، وليس بجائز إلا في الضرروة فلا تحمل القراءة عليها مع وجود محمل صحيح، وهو الاستئناف لها) * انتهى، وعلى دعوى الضرورة منع ظاهر، فإن تسكين المنصوب في كلامهم كثير، وادعى المبرد أن ذلك من الضرورات الحسنة التي يجوز مثلها في النثر.
* (فأصبح من النادمين) * أي صار معدودا من عدادهم، وكان ندمه على قتله لما كابد فيه من التحير في أمره. وحمله على رقبته أربعين يوما أو سنة أو أكثر على ما قيل وتلمذة الغراب فإنها إهانة ولذا لم يلهم من أول الأمر ما ألهم واسوداد وجهه وتبرىء أبويه منه لا على الذنب إذ هو توبة..
* (من أجل ذالك كتبنا على بنىإسراءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد فى الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحي‍اها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جآءتهم رسلنا بالبين‍ات ثم إن كثيرا منهم بعد ذالك فى الارض لمسرفون) *.
* (من أجل ذلك) * أي ما ذكر في تضاعيف القصة، و * (من) * ابتدائية متعلقة بقوله تعالى: * (كتبنا) * أي قضينا، وقيل: بالنادمين وهو ظاهر ما روي عن نافع، و * (كتبنا) * استئناف، واستبعده أبو البقاء وغيره. و - الأجل بفتح الهمزة وقد تكسر، وقرىء به - لكن بنقل الكسرة إلى النون كما قرىء بنقل الفتحة إليها في الأصل - الجناية يقال: أجل عليهم شرا إذا جنى عليهم جناية، وفي معناه جر عليهم جريرة، ثم استعمل في تعليل الجنايات، ثم اتسع فيه فاستعمل لكل سبب أي من ذلك ابتداء الكتب ومنه نشأ لا من غيره. * (على بني إسرائيل) * وتخصيصهم بالذكر لما أن الحسد كان منشأ لذلك الفساد وهو غالب عليهم. وقيل: إنما ذكروا دون الناس لأن التوراة أول كتاب نزل فيه تعظيم القتل، ومع ذلك كانوا أشد طغيانا فيه وتماديا حتى قتلوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فكأنه قيل: بسبب هذه العظيمة كتبنا في التوراة تعظيم القتل، وشددنا عليهم وهم بعد ذلك لا يبالون. ومن هنا تعلم أن هذه الآية لا تصلح - كما قال الحسن والجبائي وأبو مسلم - على أن ابني آدم عليه السلام كانا من بني إسرائيل، على أن بعثة الغراب الظاهر في التعليم المستغني عنه في وقتهم لعدم جهلهم فيه بالدفن - تأبى ذلك * (أنه) * أي الشأن * (من قتل نفسا) * واحدة من النفوس الإنسانية * (بغير نفس) * أي بغير قتل نفس يوجب الاقتصاص، والباء للمقابلة متعلقة بقتل، وجوز أن تتعلق بمحذوف وقع حالا أي متعديا ظالما * (أو فساد في الأرض) * أي فساد فيها يوجب هدر الدم كالشرك مثلا، وهو عطف على ما أضيف إليه
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»