تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٨
على القول الأول وتصريحا بمخالفتهم له عليه السلام * (ي‍اموسى إنا لن ندخلها) * أي أرض الجبابرة فضلا عن الدخول عليهم وهم في بلدهم * (أبدا) * أي دهرا طويلا، أو فيما يستقبل من الزمان كله * (ما داموا فيها) * أي في تلك الأرض، وهو بدل من * (أبدا) * بدل البعض؛ وقيل: بدل الكل من الكل، أو عطف بيان لوقوعه بين النكرتين؛ ومثله في الابدال قوله: وأكرم أخاك الدهر (ما دمتما) معا * كفى بالممات فرقة وتنائيا فإن قوله: " ما دمتما " بدل من الدهر.
* (فاذهب) * أي إذا كان الأمر كذلك فاذهب * (أنت وربك فقاتلا) * أي فقاتلاهم وأخرجاهم حتى ندخل الأرض؛ وقالوا ذلك استهانة واستهزاءا به سبحانه وبرسوله عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاة، وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبىء عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم، والمقابلة بقوله تعالى: * (إنا ه‍اهنا ق‍اعدون) *، وقيل: أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول: كلمته فذهب يجيبني كأنهم قالوا: فأريدا قتالهم واقصداهم، وقال البلخي: المراد: فاذهب أنت وربك يعينك، فالواو للحال، و * (أنت) * مبتدأ حذف خبره وهو خلاف الظاهر، ولا يساعده * (فقاتلا) * ولم يذكروا أخاه هارون عليهما السلام ولا الرجلين اللذين قالا كأنهم لم يجزموا بذهابهم أو لم يعبأوا بقتالهم، وأرادوا بالقعود عدم التقدم لا عدم التأخر أيضا..
* (قال رب إنى لاأملك إلا نفسى وأخى فافرق بيننا وبين القوم الف‍اسقين) *.
* (قال) * موسى عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من العناد على طريق البث والحزن والشكوى إلى الله تعالى مع رقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة. فليس القصد إلى الإخبار وكذا كل خبر يخاطب به علام الغيوب يقصد به معنى سوى إفادة الحكم أو لازمه، فليس قوله ردا لما أمر الله تعالى به ولا اعتذارا عن عدم الدخول * (رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي) * هارون عليه السلام وهو عطف على * (نفسي) * أي لا يجيبني إلى طاعتك ويوافقني على تنفيذ أمرك سوى نفسي وأخي ولم يذكر الرجلين اللذين أنعم الله تعالى عليهما وإن كانا يوافقانه إذا دعا لما رأى من تلون القوم وتقلب آرائهم فكأنه لم يثق بهما ولم يعتمد عليهما. وقيل: ليس القصد إلى القصر بل إلى بيان قلة من يوافقه تشبيها لحاله بحال من لا يملك إلا نفسه وأخاه، وجوز أن يراد - بأخي - من يؤاخيني في الدين فيدخلان فيه ولا يتم إلا بالتأويل بكل مؤاخ له في الدين، أو بجنس الأخ وفيه بعد، ويجوز في * (أخي) * وجوها أخر من الإعراب: الأول: أنه منصوب بالعطف على اسم - إن -، الثاني: أنه مرفوع بالعطف على فاعل * (أملك) * للفصل، الثالث: أنه مبتدأ خبره محذوف، الرابع: أنه معطوف على محل اسم - إن - البعيد لأنه بعد استكمال الخبر، والجمهور على جوازه حينئذ، الخامس: أنه مجرور بالعطف على الضمير المجرور على رأي الكوفيين، ثم لا يلزم على بعض الوجوه الاتحاد في المفعول بل يقدر للمعطوف مفعول آخر أي وأخي إلا نفسه، فلا يرد ما قيل: إنه يلزم من عطفه على اسم - إن - أو فاعل * (أملك) * أن موسى وهارون عليهما السلام لا يملكان إلا نفس موسى عليه السلام فقط، وليس المعنى على ذلك كما لا يخفى، وليس من عطف الجمل بتقدير ولا يملك أخي إلا نفسه كما توهم، وتحقيقه أن العطف على معمول الفعل لا يقتضي إلا المشاركة في مدلول ذلك. ومفهومه الكلي لا الشخص المعين بمتعلقاته المخصوصة فإن ذلك إلى القرائن.
* (فافرق بيننا) * يريد نفسه وأخاه عليهما الصلاة والسلام، والفاء لترتيب الفرق
(١٠٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 103 104 105 106 107 108 109 110 111 112 113 ... » »»