تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١١٠
وروي أنه كان الغمام يظلهم من حر الشمس وينزل عليهم المن والسلوى، وجعل معهم حجر موسى عليه السلام يتفجر منه الماء دفعا لعطشهم، قيل: ويطلع بالليل عمود من نور يضيء لهم ولا يطول شعرهم ولا تبلى ثيابهم كما روي عن الربيع بن أنس، وكانت تشب معهم إذا شبوا كما روى عن طاوس.
وذكر غير واحد من القصاص أنهم كانوا إذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله ولا يبلى إلى غير ذلك مما ذكروه.
والعادة تبعد كثيرا منه فلا يقبل إلا ما صح عن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولقد سألت بعض أحبار اليهود عن لباس بني إسرائيل في التيه فقال: إنهم خرجوا من مصر ومعهم الكثير من ثياب القبط وأمتعتهم، وحفظها الله تعالى لكبارهم وصغارهم فذكرت له حديث الظفر، فقال لم نظفر به وأنكره فقلت له: هي فضيلة فهلا أثبتها لقومك؟ فقال: لا أرضى بالكذب ثوبا، واستشكل معاملتهم بهذه النعم مع معاقبتهم بالحيرة، وأجيب بأن تلك المعاقبة من كرمه تعالى، وتعذيبهم إنما كان للتأديب كما يضرب الرجل ولده مع محبته له ولا يقطع عنه معروفه، ولعلهم استغفروا من الكفر إذا كان قد وقع منهم، وأكثر المفسرين على أن موسى وهرون عليهما السلام كانا معهم في التيه لكن لم ينلهما من المشقة ما نالهم، وكان ذلك لهما روحا وسلامة كالنار لإبراهيم عليه السلام، ولعل الرجلين أيضا كانا كذلك.
وروي أن هارون مات في التيه واتهم به موسى عليهما السلام فقالوا: قتله لحبنا له فأحياه الله تعالى بتضرعه، فبرأه مما يقولون، وعاد إلى مضجعه، ومات موسى عليه السلام بعده بسنة، وقيل: بستة أشهر ونصف، وقيل: بثمانية أعوام، ودخل يوشع أريحاء بعده بثلاثة أشهر، وقال قتادة: بشهرين، وكان قد نبىء قبل بمن بقي من بني إسرائيل ولم يبق المكلفون وقت الأمر منهم، قيل - ولا يساعده النظم الكريم - فإنه بعدما قبل دعوته عليه السلام على بني إسرائيل وعذبهم بالتيه بعيد أن ينجو من نجا، ويقدر وفاة النبيين عليهما السلام في محل العقوبة ظاهرا، وإن كان ذلك لهما منزل روح وراحة، وأنت تعلم أن الأخبار بموتهما عليهما السلام بالتيه كثيرة لا سيما الأخبار بموت هارون عليه السلام، ولا أرى للاستبعاد محلا، ولعل ذلك أنكى لبني إسرائيل. وقيل: إنهما عليهما السلام لم يكونا مع بني إسرائيل في التيه، وأن الدعاء - وقد أجيب - كان بالفرق بمعنى المباعدة في المكان بالدنيا، وأرى هذا القول مما لا يكاد يصح، فإن كثيرا من الآيات كالنص في وجود موسى عليه السلام معهم فيه كما لا يخفى.
* (فلا تأس) * أي فلا تحزن لموتهم، أو لما أصابهم فيه من الأسى - وهو الحزن - * (على القوم الف‍اسقين) * الذين استجيب لك في الدعاء عليهم لفسقهم؛ فالخطاب لموسى عليه السلام كما هو الظاهر، وإليه ذهب أجلة المفسرين. وقال الزجاج: إنه للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد - بالقوم الفاسقين - معاصروه عليه الصلاة والسلام من بني إسرائيل كأنه قيل: هذه أفعال أسلافهم فلا تحزن أنت بسبب أفعالهم الخبيثة معك وردهم عليك فإنهم ورثوا ذلك عنهم..
* (واتل عليهم نبأ ابنى ءادم بالحق إذ قربا قرب‍انا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الاخر قال لاقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين) *.
* (واتل عليهم) * عطف على مقدر تعلق به قوله تعالى: * (وإذ قال موسى) * (المائدة: 20) الخ، وتعلقه به قيل: من حيث إنه تمهيد لما سيأتي إن شاء الله تعالى من جنايات بني إسرائيل بعدما كتب عليهم ما كتب وجاءتهم الرسل بما جاءتهم به من البينات. وقيل: من حيث إن في الأول الجبن عن القتل، وفي هذا الإقدام عليه مع كون كل منهما
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»