تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٤
العرب من بني عبس - وهو خالد بن سنان عليه السلام - الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم: " ذلك نبي ضيعه قومه " ولا يخفى أن الثلاثة الذين أشارت إليهم الآية رسل عيسى عليه السلام ونسبة إرسالهم إليه تعالى بناءا على أنه كان بأمره عز وجل، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق ذلك؛ وأما خالد بن سنان العبسي فقد تردد فيه الراغب في " محاضراته "، وبعضهم لم يثبته، وبعضهم قال: إنه كان قبل عيسى عليهما الصلاة والسلام لأنه ورد في حديث " لا نبي بيني وبين عيسى " صلى الله تعالى عليهما وسلم، لكن في التواريخ إثباته، وله قصة في " كتب الآثار " مفصلة، وذكر أن بنته أتت النبي صلى الله عليه وسلم وآمنت به، ونقش الشيخ الأكبر قدس سره له فصا في كتابه " فصوص الحكم "، وصحح الشهاب أنه عليه السلام من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأنه قبل عيسى عليهما الصلاة والسلام، وعلى هذا فالمراد ببنته الجائية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن صح الخبر - بنته بالواسطة لا البنت الصلبية إذ بقاؤهما إلى ذلك الوقت مع عدم ذكر أحد أنها من المعمرين بعيد جدا، وكان بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام ألف وسبعمائة سنة في المشهور، لكن لم يفتر فيها الوحي، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الله تعالى بعث فيها ألف نبي من بني إسرائيل سوى من بعث من غيرهم.
* (أن تقولوا) * تعليل لمجىء الرسول بالبيان أي كراهة أن تقولوا - كما قدره البصريون - أو لئلا تقولوا - كما يقدر الكوفيون - معتذرين من تفريطكم في أحكام الدين يوم القيامة * (ما جاءنا من بشير ولا نذير) * وقد انطمست آثار الشريعة السابقة وانقطعت أخبارها، وزيادة * (من) * في الفاعل للمبالغة في نفي المجىء، وتنكير بشير - و - نذير على ما قال شيخ الإسلام: للتقليل؛ وتعقيب * (قد جاءكم) * (المائدة: 15) الخ بهذا يقتضي أن المقدر، أو المنوي فيما سبق هو الشرائع والأحكام لا كيفما كانت بل مشفوعة بذكر الوعد والوعيد، والفاء في قوله تعالى: * (فقد جاءكم بشير ونذير) * تفصح عن محذوف ما بعدها علة له، والتقدير هنا لا تعتذروا فقد جاءكم وتسمى الفاء الفصيحة، وتختلف عبارة المقدر قبلها، فتارة يكون أمرا أو نهيا، وتارة يكون شرطا كما في قوله تعالى: * (فهذا يوم البعث) *، وقول الشاعر: فقد جئنا خراسانا وتارة معطوفا عليه كما في قوله تعالى: * (فانفجرت) * وقد يصار إلى تقدير القول - كما في الفرقان (19) - في قوله تعالى: * (فقد كذبوكم) *، وإن شئت قدرت هنا أيضا فقلنا: لا تعتذروا فقد الخ، وقد صرح بعض علماء العربية أن حقيقة هذه الفاء أنها تتعلق بشرط محذوف، ولا ينافي ذلك إضمار القول لأنه إذا ظهر المحذوف لم يكن بد من إضمار ليرتبط بالسابق فيقال: في البيت مثلا، وقلنا، أو فقلنا: إن صح ما ذكرتم فقد جئنا خراسانا، وكذلك ما نحن فيه فقلنا: لا تعتذروا فقد جاءكم، ثم إنه في المعنى جواب شرط مقدر سواء صرح بتقديره أم لا لأن الكلام إذا اشتمل على مترتبين أحدهما على الآخر ترتب العلية كان في معنى الشرط والجزاء، فلا تنافي بين التقادير. والتقادير المختلفة، ولو سلم التنافي فهما وجهان ذكروا أحدهما في موضع والآخر في آخر - كما حققه في " الكشف " - وقد مرت الإشارة من بعيد إلى أمر هذه الفاء فتذكر، وتنوين بشير وونذير) للتفخيم * (والله على كل شيء قدير) * فيقدر على إرسال الرسل تترى، وعلى الإرسال بعد الفترة.
* (وإذ قال موسى لقومه ي‍اقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبيآء وجعلكم ملوكا وءات‍اكم ما لم يؤت أحدا من الع‍المين) *.
* (وإذ قال موسى لقومه) * جملة مستأنفة مسوقة لبيان ما فعلت بنو إسرائيل بعد أخذ الميثاق منهم، وتفصيل كيفية نقضهم له مع الإشارة إلى انتفاء فترة الرسل عليهم الصلاة والسلام فيما بينهم؛ و * (إذ) * نصب على أنه
(١٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 99 100 101 102 103 104 105 106 107 108 109 ... » »»