تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٠١
ابن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله تعالى وحذرهم نقمته فقالوا: ما تخوفنا يا محمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه، وقالت النصارى ذلك قبلهم، فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية " وعن الحسن أن النصارى تأولوا ما في الإنجيل من قول المسيح: إني ذاهب إلى أبي وأبيكم فقالوا ما قالوا.
وعندي أن إطلاق ابن الله تعالى على المطيع قد كان في الزمن القديم، ففي التوراة قال الله تعالى لموسى عليه الصلاة والسلام: اذهب إلى فرعون وقل له يقول لك الرب إسرائيل ابني بكري أرسله يعبدني فإن أبيت أن ترسل ابني بكري قتلت ابنك بكرك، وفيها أيضا في قصة الطوفان أنه لما نظر بنو الله تعالى إلى بنات الناس وهم حسان جدا شغفوا بهن فنكحوا منهن ما أحبوا واختاروا فولدوا جبابرة فأفسدوا فقال الله تعالى: لا تحل عنايتي على هؤلاء القوم، وأريد بأبناء الله تعالى أولاد هابيل، وبأبناء الناس أبناء قابيل، وكن حسانا جدا فصرفن قلوبهن عن عبادة الله تعالى إلى عبادة الأوثان، وفي المزامير أنت ابني سلني أعطك، وفيها أيضا أنت ابني وحبيبي، وقال شعيا في نبوته عن الله تعالى: تواصوا بي في أبنائي وبناتي يريد ذكور عباد الله تعالى الصالحين وإناثهم، وقال يوحنا الإنجيلي في الفصل الثاني من " الرسالة الأولى " - انظروا إلى محبة الأب لنا أن أعطانا أن ندعى أبناء - وفي الفصل الثالث - أيها الأحباء الآن صرنا أبناء الله تعالى فينبغي لنا أن ننزله في الإجلال على ما هو عليه فمن صح له هذا الرجاء فليزك نفسه بترك الخطيئة والإثم، واعلموا أن من لابس الخطيئة فإنه لم يعرفه - وقال متى: قال المسيح: أحبوا أعداءكم، وباركوا على لاعنيكم، وأحسنوا إلى من يبغضكم، وصلوا على من طردكم، كيما تكونوا بني أبيكم المشرق شمسه على الأخيار والأشرار، والممطر على الصديقين والظالمين، وقال يوحنا التلميذ في " قصص الحواريين ": يا أحبائي إنا أبناء الله تعالى سمانا بذلك، وقال بولس الرسول في " رسالته إلى ملك الروم ": إن الروح تشهد لأرواحنا أننا أبناء الله تعالى وأحباؤه، إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة، وقد جاء أيضا إطلاق الابن على العاصي ولكن بمعنى الأثر ونحوه، ففي " الرسالة الخامسة لبولس " إياكم والسفه والسب واللعب فإن الزاني والنجس كعابد الوثن لا نصيب له في ملكوت الله تعالى واحذروا هذه الشرور فمن أجلها يأتي رجز الله على الأبناء الذين لا يطيعونه، وإياكم أن تكونوا شركاء لهم فقد كنتم قبل في ظلمة فاسعوا الآن سعي أبناء النور.
ومقصود الفريقين ب * (نحن أبناء الله وأحباؤه) * هو المعنى المتضمن مدحا، وحاصل دعواهم أن لهم فضلا ومزية عند الله تعالى على سائر الخلق، فرد سبحانه عليهم ذلك، وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: * (قل) * إلزاما لهم وتبكيتا * (فلم يعذبكم بذنوبكم) * أي إن صح ما زعمتم فلأي شيء يعذبكم يوم القيامة بالنار أياما بعدد أيام عبادتكم العجل، وقد اعترفتم بذلك في غير ما موطن، وهذا ينافي دعواكم القرب ومحبة الله تعالى لكم أو محبتكم له المستلزمة لمحبته لكم كما قيل: ما جزاء من يحب إلا يحب، أو فلأي شيء أذنبتم بدليل أنكم ستعذبون، وأبناء الله تعالى إنما يطلق إن أطلق في مقام الافتخار على المطيعين كما نطقت به كتبكم، أو إن صح ما زعمتم فلم عذبكم بالمسخ الذي لا يسعكم إنكاره، وعد بعضهم من العذاب البلايا والمحن كالقتل والأسر، واعترض ذلك بأنه لا يصلح للإلزام فإن البلايا والمحن قد كثرت في الصلحاء، وقد ورد " أشد الناس بلاءا الأنبياء - عليهم السلام - ثم الأمثل فالأمثل "، وقال الشاعر: ولكنهم أهل الحفائظ والعلا * فهم لملمات الزمان خصوم
(١٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 106 ... » »»