تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ٩٨
العبارة فليكن ذلك من باب الإشارة، والجار والمجرور متعلق بجاء، و * (من) * لابتداء الغاية مجازا، أو متعلق بمحذوف وقع حالا من نور، وتقديم ذلك على الفاعل للمسارعة إلى بيان كون المجىء من جهته تعالى العالية والتشويق إلى الجائي، ولأن فيه نوع طول يخل تقديمه بتجاوب النظم الكريم، والمبين من بان اللازم بمعنى ظهر فمعناه الظاهر الإعجاز، ويجوز أن يكون من المتعدي فمعناه المظهر للناس ما كان خافيا عليهم..
* (يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السل‍ام ويخرجهم من الظلم‍ات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم) *.
* (يهدي به الله) * توحيد الضمير لاتحاد المرجع بالذات، أو لكونهما في حكم الواحد، أو لكون المراد يهدي بما ذكر، وتقديم المجرور للاهتمام نظرا إلى المقام وإظهار الاسم الجليل لإظهار كمال الاعتناء بأمر الهداية، ومحل الجملة الرفع على أنها صفة ثانية لكتاب، أو النصب على الحالية منه لتخصيصه بالصفة. جوز أبو البقاء أن تكون حالا من * (رسولنا) * بدلا من * (يبين) * (المائدة: 15) وأن تكون حالا من الضمير في * (يبين) *، وأن تكون حالا من الضمير في * (مبين) *، وأن تكون صفة لنور * (من اتبع رضوانه) * أي من علم الله تعالى أنه يريد اتباع رضا الله تعالى بالإيمان به، و * (من) * موصولة أو موصوفة * (سبل السلام) * أي طرق السلامة من كل مخافة - قاله الزجاج - فالسلام مصدر بمعنى السلامة. وعن الحسن والسدي أنه اسمه تعالى، ووضع المظهر موضع المضمر ردا على اليهود والنصارى الواصفين له سبحانه بالنقائص تعالى عما يقولون علوا كبيرا، والمراد حينئذ بسبله تعالى شرائعه سبحانه التي شرعها لعباده عز وجل، ونصبها قيل: على أنها مفعول ثان ليهدي على إسقاط حرف الجر نحو * (واختار موسى قومه) * (الأعراف: 551). وقيل: إنها بدل من - رضوان - بدل كل من كل، أو بعض من كل أو اشتمال، والرضوان بكسر الراء وضمها لغتان، وقد قرىء بهما، و - السبل - بضم الباء والتسكين لغة، وقد قرىء به.
* (ويخرجهم) * الضمير المنصوب عائد إلى * (من) * والجمع باعتبار المعنى كما أن إفراد الضمير المرفوع في * (اتبع) * باعتبار اللفظ. * (من الظلم‍ات إلى النور) * أي من فنون الكفر والضلال إلى الإيمان * (بإذنه) * أي بإرادته أو بتوفيقه. * (ويهديهم إلى صراط مستقيم) * وهو دين الإسلام الموصل إلى الله تعالى - كما قال الحسن - وفي " إرشاد العقل السليم "، " وهذه الهداية عين الهداية إلى * (سبل السلام) * وإنما عطفت عليها تنزيلا للتغاير الوصفي منزلة التغاير الذاتي كما في قوله تعالى: * (ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ) * " (هود: 58).
وقال الجبائي: المراد بالصراط المستقيم طريق الجنة..
* (لقد كفر الذين قآلوا إن الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن فى الارض جميعا ولله ملك السم‍اوات والارض وما بينهما يخلق ما يشآء والله على كل شىء قدير) *.
* (لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم) * لا غير المسيح كما يقال: الكرم هو التقوى، وأن الله تعالى هو الدهر أي الجالب للحوادث لا غير الجالب، فالقصر هنا للمسند إليه على المسند بخلاف قولك: زيد هو المنطلق فإن معناه لا غير زيد، والقائلون لذلك - على ما هو المشهور - هم اليعقوبية المدعون بأن الله سبحانه قد يحل في بدن إنسان معين أو في روحه. وقيل: لم يصرح بهذا القول أحد من النصارى، ولكن لما زعموا أن فيه لاهوتا مع تصريحهم بالوحدة، وقولهم: لا إله إلا واحد لزمهم أن الله سبحانه هو المسيح، فنسب إليهم لازم قولهم توضيحا لجهلهم وتفضيحا لمعتقدهم، وقال الراغب: فإن قيل: إن أحدا لم يقل الله تعالى هو المسيح وإن قالوا المسيح هو الله تعالى وذلك أن عندهم أن المسيح من لاهوت وناسوت فيصح أن يقال المسيح هو اللاهوت وهو ناسوت كما صح أن يقال: الإنسان
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»