تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٦ - الصفحة ١٠٠
له ملك السموات والأرض وما بينهما، وقيل: دليل على نفي كونه عليه الصلاة والسلام ابنا ببيان أنه مملوك لدخوله تحت العموم، ومن المعلوم أن المملوكية تنافي البنوة.
وقوله تعالى: * (يخلق ما يشاء) * جملة مستأنفة مسوقة لبيان بعض أحكام الملك والألوهية على وجه يزيح ما اعتراهم من الشبه في أمر المسيح عليه السلام لولادته من غير أب وخلق الطير وإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، و * (ما) * نكرة موصوفة محلها النصب على المصدرية أي يخلق أي خلق يشاؤه، فتارة يخلق من غير أصل - كخلق السموات والأرض - مثلا، وأخرى من أصل - كخلق بعض ما بينهما - وذلك متنوع أيضا، فطورا ينشىء من أصل ليس من جنسه كخلق آدم، وكثير من الحيوانات - وتارة من أصل يجانسه إما من ذكر وحده - كخلق حواء - أو من أنثى وحدها - كخلق عيسى عليه الصلاة والسلام - أو منهما - كخلق سائر الناس، ويخلق بلا توسط شيء من المخلوقات - ككثير من المخلوقات - وقد يخلق بتوسط مخلوق آخر - كخلق الطير - على يد عيسى عليه السلام معجزة له. وإحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، فينبغي أن ينسب كل ذلك إليه تعالى لا من أجرى على يده قاله غير واحد. وقيل: إن الجملة جيء بها ههنا مبينة لما هو المراد من قوله تعالى: * (ولله ملك السموات والأرض) * الخ بحسب اقتضاء المقام، و * (ما) * نصب على المصدرية أيضا، وقيل: يجوز أن تكون موصولة ومحلها النصب على المفعولية أي يخلق الذي يشاء أن يخلقه، والجملة مسوقة لبيان أن قدرته تعالى أوسع من عالم الوجود، وعلى كل تقدير فقوله سبحانه: * (والله على كل شيء قدير) * تذييل مقرر لمضمون ما قبله وإظهار الاسم الجليل لما مر من التعليل وتقوية استقلال الجملة..
* (وقالت اليهود والنص‍ارى نحن أبناء الله وأحباؤه قل فلم يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق يغفر لمن يشآء ويعذب من يشآء ولله ملك السم‍اوات والارض وما بينهما وإليه المصير) *.
* (وقالت اليهود والنص‍ارى نحن أبناء الله وأحب‍اؤه) * حكاية لما صدر من الفريقين من الدعوى الباطلة لأنفسهم، وبيان لبطلانها إثر ذكر ما صدر عن أحدهما من الدعوى الباطلة لغيره وبيان بطلانها أي قال كل من الطائفتين هذا القول الباطل، ومرادهم - بالأبناء المقربون - أي نحن مقربون عند الله تعالى قرب الأولاد من والدهم، و - بالأحباء - جمع حبيب بمعنى محب أو محبوب، ويجوز أن يكون أرادوا من الأبناء الخاصة كما يقال: أبناء الدنيا، وأبناء الآخرة، وأن يكون أرادوا أشياع من وصف بالبنوة أي قالت اليهود نحن أشياع ابنه عزير، وقالت النصارى: نحن أشياع ابنه المسيح عليهما السلام، وأطلق الأبناء على الأشياع مجازا إما تغليبا أو تشبيها لهم بالأبناء في قرب المنزلة، وهذا كما يقول أتباع الملك: نحن الملوك، وكما أطلق على أشياع أبي خبيب عبد الله بن الزبير الخبيبون في قوله: قدني من نصر الخبيبين قدي على رواية من رواه بالجمع، فقد قال ابن السكيت: يريد أبا خبيب ومن كان معه، فحيث جاز جمع خبيب وأشياع أبيه فأولى أن يجوز جمع ابن الله - عز اسمه - وأشياع الابن بزعم الفريقين، فاندفع ما قيل: إنهم لا يقولون ببنوة أنفسهم ولم يحمل على التوزيع بمعنى أنفسنا الأحباء وأبناؤنا الأبناء بجمع الإبنين لمشاكلة الأحباء لأن خطاب * (بل أنتم بشر) * يأباه ظاهرا ويدل على ادعائهم البنوة بأي معنى كان. وقيل: الكلام على حذف المضاف أي نحن أبناء أنبياء الله تعالى وهو خلاف الظاهر، وقائل ذلك من اليهود بعضهم، ونسب إلى الجميع لما مر غير مرة، فقد أخرج ابن جرير. والبيهقي في " الدلائل " عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: " أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آص وبحرى بن عمرو وشاش
(١٠٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 105 ... » »»